- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المسلسلات التركية والشيزوفرنيا العراقية
مما لاشك فيه إن انقطاعا دام ثلاثة عقود ونصف من الزمن عن العالم ضمن سياسة تهديم الشخصية العراقية التي اتبعها النظام الفاشستي الذي حكم العراق سابقا كان له التاثير المباشر في تحديد المحتوى الفكري العراقي باقصى مايمكن مما ساهم في الوقت الراهن في خلق شيزوفرينيات عراقية هنا وهناك تاثرت مباشرة بالفوضى التي سادت الشارع العراقي بعد زوال النظام البائد بين ليلة وضحاها بعد حكم شمولي بعصا غليظة اضحى في مزابل التاريخ ضمن نتيجة حتمية لكل سايكوباثية تعاني جنون العظمة على مر التاريخ ..
اول تلك الفوضويات التي سادت ذلك الشارع الذي كان يبحث حينها عن كل ثقافة سلبية كانت ام ايجابية آتية من الخارج فيبدأ بنهمها بشراهة نتيجة ذلك الانطواء والانكماش الذي عاشه العراقيون بفعل تلك السياسة المتعمدة ،فكان جهاز الستالايت والبرامج والمسلسلات المختلفة التي تبث عن طريقه من جميع انحاء العالم (مع احترامنا الشديد والبالغ للقنوات المحترمة ذات البرامج الهادفة والبناءة) من اوائل الامور التي ساهمت في خلق بلبلة فكرية عند الذات العراقية بين ما تربت عليه من قيم واخلاق اصيلة تتأطر بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف وماتراه على الشاشة الصغيرة من ثقافات مستوردة تعكس طبيعة تلك المدن التي تمتلك هي بالتالي خاصيتها التي تختلف اختلافا كبيرا عن ثقافاتنا العربية ناهيك عن دس مفاهيم غير مباشرة لخلخلة الشخصية العربية عموما والعراقية خصوصا وصولا الى اهداف مرسومة فشلت في تحقيقها سياسات سابقة كلفت القائمين عليها كثيرا من ناحيتي النوع والكم ..
ونتيجة لتلك الاسباب آنفة الذكر وغيرها تأثر البعض الغالب من مجتمعاتنا بالغلاف الخارجي لتلك المجتمعات التي لايمكن ان يخط سطرا في مقالة التطور التكنلوجي الذي وصلت اليه على ان هذا التطور لايمكن ايضا الوصول إليه إلا من خلال التخلي عن مفاهيم وتعاليم اخرى ،فصرنا نشاهد في الشارع الراهن أمثلة كثيرة من خلال التشبه بتسريحة المطرب الفلاني وملابسه وكذلك طريقة مشي الممثل التركي في مسلسلة معينة على ان التشبه بتلك الامور لم يكن من الامور الجديدة على مجتمعاتنا ولكنه يسير الان بخطوط متواترة وبارقام مخيفة ومرعبة سنلمس عواقبها ليس في المستقبل البعيد فحسب بل في المستقبل القريب العاجل ..والدليل ان المتابع للذي يجري في البعض من مدارسنا بين المراهقين والمراهقات والشباب والشابات بمباركة بعض الاباء والامهات يرى تلك النتائج والارقام بوضوح لا بل حتى وصلت اسباب بعض قضايا الطلاق في المحاكم العراقية نتيجة عدم تعامل الزوج لزوجته كتعامل ذلك الممثل التركي مع عشيقته او بالعكس في مسلسلة معينة ...
ان تلك الامثلة ليست ضربا من الخيال ولاهي مقالة يريد ان يستحصل بها الكاتب على اكبر رصيد من القراء وانما هي حقائق واقعة وصل بها الامر اكثر خطورة من خلال حدوث حالات لم تكن بهذه الكثرة في المجتمع العراقي سابقا كحالات الانتحار المعلنة عبر وسائل الاعلام واخرى لم تعلن لخصوصية وحساسية تلك الامور في مجتمعاتنا التي اضحى فيها الحفاظ على الموروثات والمعتقدات بابا من ابواب جهاد النفس في ظل السيل الهائل من الثقافات الهدامة الوافدة.
..ومانشر على موقع راديو \"سوا\" الالكتروني من خبر من محافظة واسط التي تعد من المدن ذات الطابع العشائري المحافظ ينقل لنا حقيقة تاثر المجتمعات بالمسلسلات المعروضة عبر الفضائيات وخصوصا التركية منها التي تركت وماتزال بصمة مباشرة على سايكلوجية الفرد العراقي تحولت الى شيزوفرنيا عراقية تحاكي احداث المسلسل إلى ابعد نقطة فيه..
حيث نقل الخبر عن إن فتاة في الـ 20 من العمر أقدمت على الانتحار في منزل عائلتها الكائن في منطقة تقع شرقي مدينة الكوت ..وأشار المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لمراسل راديو \"سوا\" إلى أن قوات الأمن فتحت تحقيقا أوليا مع عائلة الفتاة لمعرفة ملابسات الحادث، مضيفا أن العائلة عزت انتحار الفتاة بإطلاق النار على نفسها، إلى الفشل في الدراسة..غير أن كوثر رحيم مسؤولة منظمة صناع المستقبل وحقوق الإنسان في المحافظة أشارت إلى أن السبب وراء حادث الانتحار، وهو الأول من نوعه في المحافظة، يكمن في رفض عائلة الفتاة تحقيق رغبتها بالزواج من شخص كانت تربطها به علاقة حب، مضيفة بأن الفتاة انتحرت بتناول كمية من الحبوب المخدرة...انتهى الخبر
ان احداث هذا الخبر وغيرها من الاحداث المماثلة المعلنة وغير المعلنة لا يمكن ان تكون مجرد حوادث متفرقة من هنا وهناك يمكن ان نقرأها ونسمعها ونشاهدها ولانكترث او نمر عليها مرور الكرام او نعلن أسفنا عليها ضمن اضعف الإيمان لإمكانية أن تصبح سلوكا مستقبليا شاذا يتبناه الجيل القادم يلغي بدوره كل الاعراف والتقاليد التي تربينا عليها،لذلك لابد من حملة كبيرة لاتقتصر على المنابر الدينية فقط بل تشمل البيوت أيضا والمدارس من خلال دراستها بشكل علمي ودقيق من قبل القائمين على امور التربية والتعليم في البلاد اسوة بالمسائل الاخرى التي تعدها وزارة التربية ضرورية كتغيير المناهج الدراسية مثلا ،لما للمدرسة من وقع مباشر على ذهنية التلميذ ونفسيته خصوصا في المراحل التمهيدية والابتدائية والمتوسطة من خلال وضع برامج تعليمية تطبيقية وليست نظرية فحسب حتى وان كانت بسيطة يستطيع الطالب من خلالها ان يتحصن الى حد ما مستقبلا ضد مخاطر المد الثقافي المعاكس الهدام ...
علاء السلامي
أقرأ ايضاً
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر