- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الطاغوت القومي واللاهوت الاصولي
اذا كانت احداث العراق وتداعياتها التراتبية قد اسقطت القناع عن وجه الطاغوت القومي وذيوله القومجية مع اصطفافاته العروبية الغوغائية المغلفة بالجدل الايدلوجي المتوارث والتخلف الدوغمائي والاخلاقي المزمن والتقوقع البراغماتي داخل الاطار المفاهيمي المؤله لكل \"مايسترو\" يقود الجوق العربي وان كان مستبدا شموليا ظالما ...فان احداث غزة الدامية الاخيرة فقد اسقطت القناع ذاته عن عورة اللاهوت الاصولي السلفي التكفيري والمتحجر والضارب بعيدا في (وعن) التاريخ والخارج عنه (ومنه) في الوقت نفسه والمستوحي من الفكر الاسلاموي اقانيمه المتحجرة واوثانه التي عفا عليها الزمن ونبذها المنطق ودخلت في غياهب التاريخ لتفاهتها وضحالة كينونتها... ولم تكن مقدسة الا من خلال الاجترار لمنظومة \"المناقب\" حد الهوس والتي حولت مفصلا مهما من مفاصل الزمن العربي المنسي الى سجل حافل بالمآثر والاساطير ما لم يتوفر لدى امة من الامم ..سجل لا يمسه الا المطهرون ..انه اجترار اضفى هالة من التبجيل والتقديس والتعظيم والتفخيم على شريحة من التاريخ بشخوصها واحداثها كانها بصمات غير قابلة للشطب او الاستنساخ ويؤخذ بها كليا ومطلقا على علاتها بكل مآخذها وشططها وبؤسها ..
وكلاهما ، الطاغوت القومي المستبد واللاهوت الاصولي المتخلف وجهان لطراز عروبي ـ قومجي وطراز اسلاموي تكفيري واحد يمثلان توجها متناسقا ومتلاقحا ومتلازما ينصهران ( او يحترقان) في بودقة ميثولوجية واحدة ومنتجا اقنيما متناغما ومتشابها رغم التباين الواضح في الرؤى والايدلوجيا وهما يوفران الارضية المناسبة التي تنبثق منها كل التوجهات القطيعية للرأي العام العربي، شوارع وجماهير ووسائل اعلام وانظمة وافكارا ومعتقدات ومتبنيات وممارسات وبنفس السايكوباثية المتجذرة في المخيال ( والسلوك) الجمعي العربي وذلك في اصطفافاته المنحازة نحو الطاغوت القومي واللاهوت الاصولي اصطفافا عبثيا غوغائيا يتراقص على ذات السمفونية العروبية والاصولية المشخوطة بحجة مناصرة \"قضايا\" الامة العربية والاسلامية تاركين الشعوب العربية (ومنها الشعب العراقي) تحت رحمة جلاديها وذباحيها وسراقها والمتاجرين بدمائها واشلاء ضحاياها ..ذلك الاصطفاف الذي أرشف وأرخ تاريخ الهزائم والنكبات والمآسي تلك التي حولها الطاغوت واللاهوت وعرابو حروب التحرير والمدافعون عن \"البوابات\" الشرقية والغربية ..حولوها الى انتصارات \"مؤزرة\" وفتوحات ربانية ابتداء من (والله زمن ياسلاحي) وانتهاء ب ـ (فوت بيها وعلى الزلم خليها) الى ان اتخمت الذاكرة والحاضر العربي معها بسفسطات جوفاء على انها انتصارات \"تاريخية\" مازالت تمجها المناهج التعليمية ووسائل الاعلام التي اسست ومازالت تؤسس مقبولية مشرعنة لما يقوم به أساطين الطاغوت واللاهوت من \"بطولات\" دونكيشوتية ليعيش الشارع العربي حالة من الزهو الكاذب والنشوة الوهمية ليردد دائما وابدا بالروح ابدم نفديك ..ياطاغوت... وليطلق عبارات التكبير ابتهاجا بذبح شرفاء الامة بدلا من اعدائها وهذا ما حصل للعراقيين الذين توزعت جراحهم واشلاؤهم وجثثهم مجهولة او معلومة الهوية على كل شبر من خارطة الوطن المستباح و(الماكول المذموم) من الجيران والاقرباء والاصدقاء والاحبة والاعداء وبني العمومة والخؤولة ومن الاعداء ..
ومازال الشارع العربي يلهج بإسم الطاغوت ومسبحا بحمده ومرددا الهتافات والاناشيد الحماسية ومدبجا المقالات ومؤلفا الكتب ومنظرا في الفضائيات عن الهوس القومي الجياش والعاطفة القومية اللهابة والعطش ابدا الى سماع البيانات العسكرية التي تتصدرها عبارة الله اكبر وتختتم بعاشت الامة العربية المجيدة متحدثة عن معارك التحرير وعن القضية المركزية (فلسطين) وعن فصائل المقاومة العراقية \"الشريفة\" منها وغير الشريفة وعن الايادي البيضاء والحمراء وعن عملاء الاستعمار واذناب المحتل والمقصود بهم الشرفاء من العراقيين من كافة الوان طيفهم..ومنذ معارك\" الشرف\" في فلسطين التي ضاعت الى الابد ومرورا بمعارك\" العزة\" التي لم تحرر شبرا عربيا واحدا الى ام المعارك التي صفق لها الشارع العربي وطبل وزمر وهلل وكبر واعتبرتها الجماهير العربية الحد الفاصل بين الكرامة والمهانة من وجهة النظر الطاغوتية وحدا فاصلا بين الكفر والايمان من وجهة النظر اللاهوتية الاصولية.. وانتهاء الى احداث غزة (وليس حماس) التي لم تجن منها غزة سوى الكلام الفارغ والتعاطف الذي تبخرت حرارته بمجرد ان تم الاعلان عن وقف اطلاق النار فتهافت الشارع العربي الى اعلان النصر \"الباهر\" على اعداء الامة العربية والاسلامية والانسانية وتوجت \"حماس\" بطلا طرزانيا لا يقهر وعلى الضحايا والاشلاء والدماء والخراب فلتبك البواكي ولتخرج التظاهرات الحاشدة ولتسطر الاقلام في وقت لا يؤلم الجرح الا صاحبه وبعد ان دخلت القضية الفلسطينية في متاهة جديدة ومنعطف جديد وخيبة امل جديدة ..
الهزائم عندنا ترجمت الى نصرين نصر متاتٍ عن العنتريات القومجية المتهالكة ونصر متاتٍ من \"مدد\" غيبي متوهم فلا الجيوش العربية حققت ماطمحت اليه جماهيرها ولم تتنزل الملائكة الموسومون كما يزعم اصحاب اللاهوت المتخلف.. وشرط تحقق اي من النصرين هو ان يكون على حساب الحقيقة وكرامة الشعوب واستحقاقها في الحياة وعلى حساب التاريخ المشوه والجغرافيا المستباحة والانسان المحرقة ...فما بال الشارع العربي من محيطه الى خليجه لم يدعم الشعب العراقي باليد او اللسان او في اضعف ايمانه بالقلب ومازال لحد الان يبكي مثكولا ومترملا على صدام او \"الشهيد سطام\" كما يسميه اخواننا الفلسطينيون والذين مازالوا (ومعهم الامتداد العريض والطويل من الشعوب العربية ) يرفعون صور القائد الذي ذبح شعبه وجعله تحت نير الاحتلال ..ولم يوجد من يذرف دمعة واحدة على الملايين من ضحاياها .. اين يكمن الخلل: هل يكمن في الجذر التأسيسي لكاريزمات العقلية العربية ذات المقاربات المتخلفة ؟ بدليل الاصطفاف الابدي حول منظومة الاستبداد ..صدام حسين نموذجا .. ام يكمن في تلك الفوبيا المتاصلة في الهلوسة الفكرية المتأصلة من الخوف من نشوء استقطاب عربي ـ اسلامي تجاه الشعب العراقي كشعب محترم ودولة محورية مهمة بدون جعجعات الطاغوت المستبد وبدون قعقعات فوضى الحماس القومي المتهرئ وبدون ديكتاتورية تستبيح الوطن وتمد يدها نحو \"الاخوة والاشقاء\" ناكري الجميل وبدون تبرقع بالايدولوجيا المثقوبة ..اسئلة مازالت تبحث عمن يجيب عنها ..