مع كل سلطة او حكومة دكتاتورية رجعية تكون حصة الثقافة النفي والتهميش نظراً لدورها المهم في توعية الشعوب وغالبا ما يكون هذا النفي بهدوء ومن غير اية ضجة كانت توديعية او إعلامية..
منذ القرن الرابع قبل الميلاد حين بدأ افلاطون بنفي الشعراء والفنانين والمفكرين حتى يتمكن من ان يربي الاجيال الشابة حسبما يريد وكيفما يشاء, لقد كان تأثير الأدب والفن في المجتمع يشكل خطراً على الدكتاتوريين من أصحاب الطرح والتنظيم الشمولي لأوجه الحياة المختلفة لذا لجؤوا الى السيطرة على الفكر والادب لما يملكانه من تأثير في تصحيح مسيرة الشعوب ومساراتها الفكرية والأيديولوجية .
وقد اتخذت المسألة شكل الصراع المستمر والمتنوع الصور بين السلطة والفكر، وبين التقيد والحرية، بين الإملاء والرغبة بين الاختيار والانقياد. قضية التقدم الإنساني لا تخرج عن كونها ملحمة بين القوى الحاكمة التي ترغب بدوام الحال واستقرار الأوضاع التي تخدمها وبين مفكرين ومثقفين وأدباء متطلعين حالمين بتغير ذلك الحال إلى صور وأشكال جديدة متقدمة متطلعة لحياة أفضل وحال يغاير المألوف. واذ ما تأزم الصراع واحتدم التصادم سرعان ما ينفجر على شكل ثورة تقدمية تنطلق هي الأخرى بعد مدة وجيزة الى قوة تحاول السيطرة على الأحوال الجديدة وتدخل في الوقت نفسه بصراع جديد مع قوى أخرى وأفكار جديدة تحاول التغير من جديد وهكذا سار التقدم البشري بين قوى السكون والحركة.
وعادة ما يصاحب هذا الصراع نوعان من الأدب والفكر، نوع يدعم الوضع القائم من خلال المدح والثناء ويقدم كل ما يستطيع وذلك من خلال الاحتفالات والمهرجانات والتظاهر في المناسبات ومثل هكذا أدب وفكر يكون (وقتياً) مسايراً عصره وزمانه ويتغنى بما يخدم مصلحته لذا تراه يزول بسرعة مع زوال الوضع الذي هو فيه وغالبا ما يكون دعاية إعلامية قابضة للثمن مقدما .
والنوع الأخر من الأدب والفكر هو الذي يتطلع إلى الإمام والنظر بنظرة الأمل والعمل على مستقبل يمكنه من ابراز صور جديدة بمضامين وأفكار ورؤى أكثر حداثة وأعمق إنسانية، وذلك من خلال العمل على الحاضر الذي يساعد على التغير لحياة أفضل وهذا النوع من الأدب والفكر والفن غالبا ما تراه مقموعا من قبل السلطات الحاكمة وعلى اختلاف أنواعها. لكن تراه مصدر ترحيب وإقبال من قبل طليعة المجتمع المفكرة والمثقفة المؤمنة بتقدم الإنسانية .
والشيء الأخر الذي يميز هذا النوع هو خلوده الزمني والمكاني لأنه بطبيعة عمله التي يتابع من خلالها حركة المصير الإنساني يحظى بالتجاوب الإنساني الذي يضمن له البقاء (خالدا).
ولأعجب أن نرى هذه القضية مثار جدل وصراع على مر العصور والحقب الزمانية وتعدد السلطات الحاكمة و تعدد طرق ممارستها للسلطة .
أقرأ ايضاً
- أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
- ديمقراطية أحزاب السلطة.. نحن أو الفوضى !
- في ترشيد السلطة