RSS
2025-12-16 12:18:03

ابحث في الموقع

بضغط من واشنطن.. بغداد تودع "يونامي" والعين الأمريكية على الفراغ الأممي

بضغط من واشنطن.. بغداد تودع "يونامي" والعين الأمريكية على الفراغ الأممي
بضغط من واشنطن.. بغداد تودع "يونامي" والعين الأمريكية على الفراغ الأممي
بعد عقدين من وجودها، أنهى العراق رسمياً مهمة بعثة الأمم المتحدة (يونامي) وسط تباين في المواقف بين من يرى القرار انتقالاً طبيعياً نحو السيادة الكاملة، ومن يعتقد بأنه فتح الباب لتوسع النفوذ الأمريكي في غياب المظلة الأممية، وفيما حذر مراقبون من استمرار الأزمات الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي كانت البعثة تسلط الضوء عليها، رأى آخرون أن القرار جاء نتيجة ضغوط إقليمية ورغبة بترتيب المشهد السياسي بعيداً عن الرقابة الدولية.

وفي احتفال رمزي في بغداد، السبت الماضي، أنهى العراق مهمة بعثة يونامي بحضور الأمين والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وغوتيريش، متانة الشراكة بين العراق والأمم المتحدة، رغم الإعلان عن انتهاء ولاية بعثة المنظمة الدولية.

وفيما أشار السوداني إلى أن انتهاء مهمة “يونامي” لا يعني نهاية الشراكة مع الأمم المتحدة، وأن العلاقة بين الجانبين ستبقى محورية ومستمرة، أوضح أن البعثة أُسست بقرار من مجلس الأمن عقب الغزو الأمريكي عام 2003، لدعم جهود العراق في استعادة سيادته وبناء مؤسساته، لافتاً إلى أن قرار إنهاء عملها جاء بطلب من الحكومة العراقية.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي نزار حيدر، إن “الولايات المتحدة كانت، منذ نحو عامين، ترى أن وجود بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) يشكل مزاحمةً لدورها، لذلك دفعت بقوة نحو إنهاء مهمتها ليكون الدور الأمريكي هو الوحيد في الساحة العراقية، خصوصاً وأن للعراق وصايتين فعليتين منذ 2003، الأولى أممية من خلال قرارات مجلس الأمن التي تمثلها يونامي، والثانية أمريكية تُجدد سنوياً عبر قانون حالة الطوارئ الذي يمدده الرئيس الأمريكي منذ الاحتلال وحتى اليوم”.

ويضيف حيدر أن “بعثة يونامي تأسست بقرار من مجلس الأمن عام 2003 واستمر تمديدها سنوياً حتى العام الماضي، حين بعثت بغداد رسالة رسمية إلى المجلس تطلب فيها إنهاء عمل البعثة بعد ما اعتبرته تعافياً مؤسسياً وسياسياً، وبالفعل استجاب المجلس للطلب وقرر إنهاء مهامها بنهاية العام الجاري”.

ويتابع أن “يونامي كانت تضطلع بدورين أساسيين؛ الأول هو الوساطة بين القوى السياسية العراقية، والثاني كونها القناة الرسمية التي تربط بغداد بالمجتمع الدولي عبر تقارير دورية يرفعها المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن. كما كانت تمثل حلقة التواصل الوحيدة بين المرجعية الدينية العليا في النجف والمجتمع الدولي، إذ اعتادت نقل رؤى وتوجيهات المرجعية إلى الأمم المتحدة والحكومات الغربية بدقة وأمانة”.

ويشير المحلل السياسي المقيم في واشنطن، إلى أن “البعثة، رغم أدوارها الإيجابية، شابها بعض الانحياز في مراحل معينة، إذ مالت إلى جانب القوى السياسية الحاكمة أكثر من وقوفها مع مطالب الشارع العراقي، خصوصاً خلال احتجاجات تشرين وما تلاها من أزمات انتخابية”، مبيناً أن “انسحابها سيضاعف مسؤولية القوى السياسية التي أصبحت الآن مطالبة بملء الفراغ الذي ستتركه يونامي، وإدارة حواراتها الداخلية من دون وسيط دولي”.

ويمضي حيدر، إلى القول إن “المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً في شكل العلاقة بين بغداد والمجتمع الدولي، إذ ستتولى واشنطن – بشكل شبه منفرد – إدارة الملف العراقي سياسياً وأمنياً، في ظل غياب المظلة الأممية التي كانت تمثل توازناً نسبياً في المشهد طوال العقدين الماضيين”.

وبدأت مكاتب “يونامي” في شمالي العراق بالإغلاق منذ منتصف العام، على أن تغلق بقية مكاتبها في بغداد والمحافظات مع نهاية الشهر الحالي، قبل أن تفكك منشآتها بالكامل خلال العام المقبل.

من جهته، يرى الباحث والأكاديمي مجاشع التميمي، أن “انتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق لا يعني دخول البلاد في فراغٍ رقابي أو سياسي، لأن البعثة لم تكن تمتلك صلاحيات تنفيذية أو سلطات أمنية مباشرة، بل كانت تؤدي دوراً استشارياً في القضايا السياسية والانتخابية وملفات حقوق الإنسان، وتعمل كجهاز دعم لا كجهة وصاية”.

ويضيف التميمي أن “العراق اليوم يمتلك مؤسسات أمنية وسيادية ناضجة قادرة على إدارة شؤونه الداخلية دون إشراف خارجي، كما أن التجارب السابقة أظهرت أن كثيراً من توصيات يونامي لم تجد طريقها إلى التنفيذ، سواء خلال احتجاجات تشرين أو أزمة الانتخابات عام 2021، ما يعكس محدودية تأثيرها الفعلي في ضبط إيقاع العملية السياسية”.

ويتابع أن “غياب الأمم المتحدة لا يعني تلقائياً توسع النفوذ الأمريكي، لأن الوجود الأمريكي في العراق محكوم باتفاقيات ثنائية منفصلة عن إطار عمل يونامي، كما أن تعدد الشركاء الدوليين – من الاتحاد الأوروبي إلى الصين وروسيا – يشكل توازناً يمنع أي هيمنة أحادية على القرار العراقي”.

ويشير التميمي إلى أن “طلب بغداد إنهاء مهمة البعثة لم يكن خطوة متسرعة، بل جاء بعد تقييم طويل لمرحلة ما بعد داعش واستعادة قدر من الاستقرار الداخلي، ما جعل الحاجة إلى الوصاية الدولية أقل إلحاحاً”، مبيناً أن “القرار يعكس نضجاً سياسياً نسبياً، ورغبة في الانتقال من مرحلة الإرشاد الأممي إلى إدارة الملفات الوطنية بإرادة عراقية خالصة”.

وبحث السوداني، أمس الأول الأحد، مع القائم بالأعمال الأمريكي جوشوا هاريس، إنهاء بعثة “يونامي”، بالإضافة إلى مذكرات التفاهم المشتركة، وخلال اللقاء بارك القائم بالأعمال الأمريكي للعراق إنهاء مهام البعثة، لافتا إلى أن ذلك يؤكد “دخول العراق مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار والتنمية”، كما أشار إلى حرص بلاده على “مواصلة التعاون مع العراق في مساعيه الرامية إلى تحقيق التنمية والاستقرار”.

إلى ذلك، يعتقد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن “العراق وإن كان قد شهد تحسناً نسبياً في الوضع الأمني خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التحديات ما تزال كبيرة ومعقدة، فهناك أكثر من مليون نازح يعيشون في ظروف بيئية قاسية دون حلول حقيقية لإعادتهم إلى مناطقهم، إضافة إلى أزمات المناخ وشح المياه وتراجع الزراعة والصناعة التي تهدد الأمن المعيشي للمواطنين”.

ويضيف فيصل أن “تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي وصف فيه مهمة يونامي بالناجحة، يبدو أقرب إلى المجاملة البروتوكولية ومحاولة لتبرير قرار الانسحاب من العراق، تمهيداً لتحويل الجهود الأممية إلى أطر أخرى مثل (اليونسكو) و(اليونيسف) والمنظمات الدولية ذات الطابع التنموي”، مبيناً أن “الواقع الميداني لا يزال يشهد انتهاكات لحقوق الإنسان واعتقالات غير قانونية”.

وأشاد أنطونيو غوتيريش بما وصفه بـ”التحول الإيجابي” الذي شهده العراق، مؤكداً أنه أصبح بلداً مختلفاً يتمتع بالأمن والاستقرار، ومهنئا العراقيين بنجاح الانتخابات البرلمانية.

ويخلص فيصل إلى أن “البلاد ما تزال بعيدة عن الاستقرار الحقيقي، وأن إنهاء مهمة يونامي لا يعني اكتمال السيادة أو تجاوز الأزمات، بل يفرض على الحكومة مسؤولية أكبر في معالجة ملفات النزوح والحقوق والاقتصاد، وإثبات قدرتها على إدارة الدولة بمعزل عن أي وصاية خارجية أو ضغوط داخلية مسلحة”.

وأكد التقرير الأخير لرئيس البعثة محمد الحسان أمام مجلس الأمن أن الرحيل “يمثل نهاية مرحلة وبداية أخرى قائمة على قيادة العراق لمستقبله”، مع الإشارة إلى استمرار الأمم المتحدة في تقديم الدعم عبر فريقها القطري بمختلف اختصاصاته، من حقوق الإنسان إلى الهجرة، ومن البيئة إلى التنمية المستدامة.



المصدر: العالم الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!