ابحث في الموقع

تيار المدخلية.. في دائرة النقد والرصد الواعي

تيار المدخلية.. في دائرة النقد والرصد الواعي
تيار المدخلية.. في دائرة النقد والرصد الواعي

بقلم: علي الراضي الخفاجي

عندما يكون الهدف نقد الآخر فإنَّ ذلك لايحتاج أكثر من تحضير مجموعة أدلة وبراهين ووقائع تأريخية لغرض النقاش والجدال، ولكن إذا كان الهدف كشف الحقيقة وبث الوعي فإنَّ ذلك يستدعي الاهتمام والرصد والتحذير؛ لأنَّ أمر الوعي مغاير للعلم والمعرفة، فقد تواجه عقلاً أرشيفياً وسلوكاً مُدجَّناً ليس فيه حركة أو إشراقة نور، بعكس ما تلمسه من الواعي في إدراكه الواقع وفقه ملابساته وتشخيص أخطائه ومخاطره، دون الانغماس فيه، فهو لا يتكيف مع الواقع بشكل سلبي، وإنما يعيش حالة اليقظة على الدوام، خصوصاً ضد الانحراف، ويقف بوجه السذاجة والخداع باسم الدين، وضد تزييف الحقائق وتغييب الحقيقة، ويرصد الظواهر ويبين مخاطرها التي لو استشرتْ في المجتمع الإسلامي تكون نتيجتها زيادة الفرقة وتضليل الناس من خلال التلاعب بالنصوص وطرحها كقراءة سطحية ساذجة.

المدخلية حركة دينية في دائرة التيار السلفي، ولكن في اتجاهه المتشدد، نشأتْ في السعودية على يد الشيخ ربيع بن هادي المدخلي (سعودي ولد في جازان وتوفي عام 2025م)، وهو تلميذ الشيخ محمد بن أمان الجامي (أثيوبي عاش في المدينة المنورة وتوفي عام 1996م)، انبثقتْ المدخلية عن الجامية واكتسبتْ زخماً كبيراً إبَّان حرب الخليج الثانية 1991م، حيث دعم المدخلي موقف الحكومة السعودية في الاستعانة بالأمريكان، ومن مرتكزات هذا التيار التأكيد على الطاعة المطلقة لوليّ الأمر، بناءً على تفسيرهم لنصوص يرون أنها توجب السمع والطاعة للحاكم المسلم حتى لو كان فاسقاً مالم يظهر كفراً بواحاً.

بعد سقوط صدام في العراق ظهر هذا التيار وتوسع في بعض المساجد والمدن، وأصبح له القدرة على عزل أئمة جوامع معتدلين وتعيين موالين لفكرهم وآرائهم، حتى أصبح لهم أتباع في دول أخرى غير العراق، ولعلَّ سكوت الحكومات المتعاقبة عن هذه الحركة هو لأغراض سياسية أوانتخابية.

أين يكمن الخطر؟

يكمن خطر المدخلية -كأيِّ حركة متطرفة- أنها لو استلمت السلطة فإنها سرعان ماتؤسس لشرعية وجودها وعدم شرعية من يرفضها أو ينتقدها، بل هي تشرعن لإقصائه أومحو ذكره إنْ تطلب الأمر، فهي تؤسس لمنظومة فكرية وعقائدية مسوَّرة بالقدسية، ومن منهجها رفض النقد والاستماع إلى الرأي الآخر، ومن شأن هذه الحركات أن تتحول إلى جماعات تستخدمها الحكومات كأداة للسيطرة على المؤسسة الدينية لتوجيهها وفق مصلحة الأنظمة، والعمل على إضفاء الشرعية على ممارسات الحاكم.

ووفق هذه الأديولوجية التي تتبعها هذه الحركات يتضاءل وعي الفرد ويؤدي به إلى الخمول، فينقلب من عضو فاعل في المجتمع إلى عنصر مستهلك مطيع، مهمَّته تبرير الأخطاء والاتجاه نحو حالة الصنمية، من خلال عرض قراءتهم عليه للنصوص بشكل أحاديٍّ ومتحيز ومجتزأ؛ لأجل توظيف النص لأغراضهم، واتباع نهج تغييري يحقق مصالح من يقف بالظل مستتراً بواجهات مصطنعة، وهو يمتلك مقومات إدارة العجلة بشعارات ذات صبغة شرعية تدعو إلى الجهاد والعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيُّ فكر يتبنى المدخلي؟

يرى المدخلي جواز الاستعانة بالكافرين لإسقاط الحاكم في الوقت الذي يعتبر الخروج عليه فتنة، وصنف لذلك كتاباً سمَّاه (صدُّ عدوان الملحدين وحكمُ الاستعانة بغير المسلمين)، وأراد بالملحدين كما ذكر في كتابه: صدام وحزبه الحاكم، وأراد بذلك الاستجابة لتخوفات السعودية من غزو صدام لها كما غزا الكويت، وبين في مقدمته كفر البعث وظلمه، وظلم الحاكم وأزلامه، واضطهاده للكرد، ولكن تغاضى عن ذكر ما وقع على الطائفة الشيعية الرافضة للطاغية ونهجه، ولم يذكر تضحية أبنائها في السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية، وهي شنشنة درج عليها هو وأمثاله، ممَّن عميتْ بصائرهم وعقمتْ ألسنتهم عن قول الحق وإظهار الحقيقة.

قال في كتابه: (وكفى هذا الحزب الملحد خزياً أنَّ إمامه، مربِّيه ومؤسِّسه ملحد زنديق ينتمي إلى النصرانية، ألا وهو ميشيل عفلق الذي ربَّى حزبه على الكفر والإلحاد، وكان يقصد بذلك القضاء على الإسلام في عقر داره)، ص/5.

ثم ساق الأدلة على مشروعية وجواز الاستعانة بغير المسلمين في بعض الوقائع التأريخية في الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وآله مع المشركين، ولكن بقراءة سطحية وغير موضوعية.

إنه يتبنى فكرة (السلطان ظل الله في الأرض)، وهي فكرة قديمة، ولكنها لم تستهلك، فقد استخدمها الأمويون من قبل وعلى رأسهم معاوية لتسويغ حكمهم بالوراثة، وإضفاء الشرعية الدينية عليه، وفي العصر الحديث يوجد أيضاً من يتعبَّدُ بهذه الفكرة، ففي مراجعة النصوص نقرأ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله رواه أنس بن مالك:(السلطانُ ظلُّ الله في الأرض فمنْ أكرمهُ أكرمهُ اللهُ، ومنْ أهانهُ أهانهُ الله)، وروى أنس أيضاً، قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: (لاتسبُّوا أمراءكم ولاتغشوهم ولاتبغضوهم واتقوا الله واصبروا، فإنَّ الأمر قريب). كتاب السُّنة، ابن أبي عاصم، ص/474.

وعن هذا الحديث قال عنه الألباني: (إسناد جيد)، مع أنه من المجعولات التي تؤسس للخنوع والذل، وتعارض ما ورد في كتاب الله العزيز وفي السنة الصحيحة، ولايخفى أنِّ الألباني عرف عنه اضطرابه وتناقضه في الأحكام على الروايات، ورؤيته لمثل هذه المرويات تتناسب مع مدرسته التبريرية.

الأحاديث المجعولة في معرض النقد والرصد

جاء هذا الحديث المجعول في سياق تشجيع عقيدة الجبر التي ظهرت في الشام، وهي عقيدة متسللة من الثقافة اليهودية، تبرر لليائسين من التغيير والإصلاح أن يقدسوا الحاكم ويبرروا جرائمه، لذا لايبعد أن يكون هذا من اختراعات اليهودي المتأسلم كعب الأحبار الذي لجأ بعد تهديده إلى الشام حتى وفاته، وطلب منه معاوية أن يعود للرواية والقصص، وطلب من بقية الصحابة في الشام أن يأخذوا العلم عنه، وقد كشف الدارقطني في كتابه العلل 12: 138، ما يرجح أنَّ منبع هذا الحديث من بنات أفكار كعب الأحبار.

 ومنها ماأورده البيهقي في السنن والدارقطني في العلل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: (الجهادُ واجبٌ عليكم مع كلِّ أمير براً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كلِّ مسلم براً كان أو فاجراً، وإنْ هو عمل الكبائر).

أين أوعيتهم عمّا ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وهو يقول: (لأعذبنَّ كلَّ رعية في الإسلام أطاعتْ إماماً جائراً ليس من الله عزَّ وجلَّ، وإنْ كانت الرعية في أعمالها برَّة تقيّة). البحار، 25/110.

القرآن الكريم يتحدث عن مصير التابعين والمتبوعين

ماالفائدة من هذا الاتباع الأعمى إذا كان يوم القيامة يتبرأ المتبوعين من التابعين، يقول تعالى: ((إذ تبرَّأ الذين اتَّبعُوا من الذين اتبعُواْ ورأوُاْ العذابَ وتقطعتْ بهمُ الأسباب). البقرة/166، وما الفائدة من هذه الطاعة العمياء لأهل الضلال، وهم يكونون السبب في دخولهم النار، وقد قال تعالى عنهم: (وجعلناهم أئمَّةً يدعُون إلى النَّار ويوم القيامة لاينصرون). القصص/41، وهو جلَّ وعلا حكى عمَّن يتَّبعهم، وقال: (وقالُواْ ربَّنا إنَّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلُّونا السبيلا). الأحزاب/67.

هل من علائم تشير إلى تصاعد الوعي؟

الذي يطمئن المراقب للأحداث والغيور على مصير الإسلام والمسلمين إنَّ الوعي تجاه هذه الانحرافات في تصاعد مستمر، حتى عند الطائفة السنية، فقد تصاعدت التحذيرات في الفترة الأخيرة من هذه الحركات من قبل العلماء والمشايخ وأئمة الجماعة، وهي خطوة مهمة نحو توحيد الكلمة والموقف تجاه هذه الظواهر والمخاطر، وتوجيه السهام نحو من يريد الفرقة وبث الخلاف وتحقيق المآرب، قال تعالى: (هم العدوُّ فاحذرهُمْ قاتلهُمُ اللهُ أنَّى يُؤفكُون). المنافقون/4.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!