يمر العراق بأزمة مائية متفاقمة تنذر بتداعيات خطيرة على الزراعة والبيئة والأمن الغذائي، في ظل شح الإطلاقات المائية الواردة من تركيا والتي جاءت أقل من المستوى المتفق عليه مطلع تموز الماضي، والمحدد بـ(420) مترا مكعبا في الثانية، فيما تشير التقديرات إلى أن النقص بلغ نحو أكثر من 80% من تلك الكمية، وبينما تتصاعد المخاوف من دخول البلاد في موجة جفاف غير مسبوقة خلال الأشهر المقبلة، تستعد بغداد لفتح جولة جديدة من المباحثات مع أنقرة لتمديد الاتفاق المائي لشهرين إضافيين، في محاولة لاحتواء الأزمة وتفادي تفاقم انعكاساتها على مختلف القطاعات الحيوية.
ولتحقيق ذلك، يعتزم ثلاثة وزراء في الحكومة العراقية، إجراء مفاوضات مع الجانب التركي لتأمين المياه للبلاد خلال الشهرين المقبلين.
وانعقد اجتماع تشاوري ثلاثي اليوم الاحد، ضم كلا من وزير الزراعة عباس المالكي، ووزير الموارد المائية عون ذياب، ووزير البيئة هەلو العسكري جرى خلاله مناقشة عدد من الملفات المهمة، أبرزها تأمين مياه الشرب والاستخدامات البشرية بالدرجة الاولى، ثم الحفاظ على الوضع البيئي للأنهار وعدم تلوثها.
وقال وزير الموارد المائية عون ذياب في تصريحات أدلى بها للصحفيين عقب انعقاد الإجتماع التشاوري بين الوزراء الثلاثة، إنه “تمت مناقشة تأمين مياه الشرب، ومياه الاستخدامات البشرية للمواطنين، وتعتبر أسبقية أولى، والحفاظ على الوضع البيئي للأنهار وعدم تلوثها، لأن هذه المسألة حيوية، ثم يأتي بعدها موضوع الزراعة”.
وأكد أن “أهم قرار خرج به الاجتماع هو السعي بشكل سريع للتفاهم مع تركيا على زيادة الاطلاقات المائية بما يتناسب مع حاجة العراق خلال الشهرين المقبلين”، مشيرا الى أنه “جرى التأكيد على موضوع تحلية مياه البحر، والمبازل قدر المستطاع لغرض تعزيز الموارد المائية في البلاد”.
وفي سياق متصل، ذكر بيان صادر عن وزارة الزراعة، تلقته وكالة نون الخبرية، أنه “تم اتخاذ جملة من القرارات أهمها، السعي بشكل سريع للتفاوض مع الجارة تركيا بما يتناسب مع حاجة العراق من المياه خلال شهري تشرين الأول والثاني”. كذلك التوجه “الجاد تجاه الحفاظ على البيئة بالتعاون مع الحكومات المحلية، كما تم مناقشة ملف تحلية مياه البحر والمبازل”، حسب البيان.
ومطلع تموز الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب محمود المشهداني من أنقرة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وافق على زيادة الإطلاقات المائية إلى العراق بمقدار 420 مترًا مكعبًا في الثانية.
عقب ذلك، قال وزير الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، في 9 تموز الماضي، إن تركيا لم تنفذ حتى الآن التصاريف المتفق عليها سابقا والمحددة بـ420 مترا مكعبا في الثانية لشهرَي تموز، وآب، مبينا أن مجموع الإطلاقات المائية من تركيا وسوريا باتجاه العراق يبلغ حاليا 353 مترا مكعبا في الثانية فقط، وهو أقل بكثير من الحاجة الفعلية المقدرة بـ600 متر مكعب لنهرَي دجلة والفرات.
وذكر عضو لجنة الزراعة النيابية، ثائر الجبوري، في 3 تموز الماضي، أن الإطلاقات الحالية من تركيا لا تمثل سوى 15% من الكميات المتفق عليها مع العراق خلال فصل الصيف، مؤكدا أن الأمن المائي في العراق يمر بمرحلة حرجة جدا.
وأجرى العراق وتركيا خلال السنوات الماضية الكثير من المفاوضات بشأن حصة البلاد العادلة من المياه، إلا أن نتائجها غالبا ما تكون مؤقتة أو مرتبطة بظروف سياسية، دون التوصل إلى اتفاقية ملزمة بشأن الحصص المائية، حيث تزداد المشكلة تعقيدا مع غياب سياسة مائية وطنية متكاملة، وتراجع الاستثمارات في تحديث شبكات الري والزراعة، إضافة إلى الهدر الكبير في استخدام المياه.
وتُعد مناطق الجنوب والفرات الأوسط الأكثر تضررا، حيث بدأت تظهر تداعيات الجفاف بشكل واضح من خلال الهجرة القسرية للسكان، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وتهديد مصادر مياه الشرب.
وعلى الرغم من محاولات العراق الحثيثة لمعالجة ملف المياه، وآخرها زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني إلى أنقرة ولقاؤه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلا أن تلك الجهود لم تنجح حتى اليوم في إنهاء هذه الأزمة.
ويُعد ملف المياه في العراق من أبرز التحديات المزمنة التي تواجه البلاد، خصوصا في المناطق الجنوبية التي تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة كمصدر للرزق.
وكشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، في 23 حزيران الماضي، عن تراجع الإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات إلى مستوى دون 50%، فضلا عن انخفاض الخزين المائي في السدود الى النصف ايضا، داعية رئيس الوزراء، محمد السوداني لتفعيل الورقة التجارية للضغط على تركيا.
وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، نتيجة التغير المناخي، والسبب الثاني يعود إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، بسبب سياسات مائية لإيران وتركيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة البنك الدولي، أنه بحلول العام 2040، سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار، كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا، فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل، أي ما يساوي نسبة 6 بالمئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!