قبل نزوحه سنة 2006 مع أفراد عائلته الكبيرة من قريتهم الواقعة في أطراف ناحية التل جنوب غربي نينوى، واستقرارهم في منطقة العبور غربي الموصل (405 كم شمال بغداد) كان يوسف عايد (57 سنة) مزارعاً ومربي ماشية كما كان والده وجده.
يضرب يديه ببعضهما ويقول، وهو يهز برأسه: “بقيت لسنوات منتظراً الفرج، لكن الأرض ماتت عطشاً ولم تعد تصلح للزراعة، واضطررت لبيع الخراف لكي لا تموت جوعاً، فلم تبق مراع والأعلاف أسعارها مرتفعة، هكذا أصبحت بلا عمل ولا مورد مادي”.
ما فاقم الأمر سوءا، هو ندرة المياه وزحف الرمال التي غطت الأراضي التي كانت يوما خضراء، لتبلغ حدود قريته، وتوجب عليه حينها الرحيل، مستأجرا منزلاً صغيراً غير مكتمل البناء في حي العبور العشوائي غربي الموصل.
مع استقراره هناك، لم يجد “يوسف” غير العمل كسائق سيارة أجرة، بينما انخرط ثلاثٌة من أبنائه في العمل بورش ميكانيكية في منطقة وادي عكَاب الصناعية في الجانب الأيمن للموصل، وبقيت ثلاث من بناته وشقيقهن الصغير في المنزل، دون أن يلتحق اي منهم بالمدارس.
يقول، وهو يقود سيارته باتجاه قريته السابقة، أن اثنين من أشقائه وعائلاتهما وأقارب آخرين له من قريته ذاتها، فضلاً عن عشرات العائلات من القرى المحيطة كانوا قد سبقوه وتركزوا في ذات المنطقة ومناطق أخرى غربي الموصل، وكثيرون منهم يعانون البطالة والفقر المدقع.
نزوح “يوسف” وغيره من سكان جنوب وغربي نينوى والعديد من المحافظات العراقية الأخرى، هرباً من البطالة وبحثاً عن الماء، استمر بمعدلات متصاعدة خلال العقدين الأخيرين حتى نشأت في مراكز المحافظات عشوائيات تفتقر إلى أبسط الخدمات كالمياه والكهرباء والطرق والمدارس والمراكز الصحية، وتتراكم فيها النفايات.
في المقابل، ومع الحروب والأزمات المستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي، لم تقم إدارات المدن الكبيرة بتحديث وتوسيع تصاميمها الأساس ولاسيما بغداد والبصرة والموصل، الأخيرة مثلا والتي يسكنها أكثر من مليوني نسمة، ومحافظة نينوى بنحو عام التي يسكنها أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، مضت أكثر من أربعة عقود على آخر توسعة في تصميمها الأساس، بمعنى أن خطط التنمية غائبة فيها بينما التضخم السكاني في تزايد.
وهو ما يزيد الحاجة إلى توسيع البنى التحتية في قطاع الصحة من مستشفيات ومراكز صحية، وقطاع التعليم من مدارس ورياض أطفال، اضافة الى الحاجة لعشرات الآلاف من الوحدات السكنية، كما لمحطات المياه مع شبكات الإسالة والكهرباء والطرق الجديدة، وحتى نظام متطور للتخلص من النفايات ومياه المجاري والصرف الصحي التي باتت مشكلة كبيرة.
وإزاء الزيادة السكانية، وتعطل معظم المعامل والمصانع الحكومية الاستراتيجية غير النفطية، يعيش نحو ربع السكان تحت خط الفقر وتعاني البلاد من معدلات بطالة عالية، تقر بهما الحكومات المتعاقبة، دون أن تفعل الشيء الكثير لمعالجتهما وفقاً لخبراء في الاقتصاد.
نمو سكاني
الأكاديمي المتخصص في المجال الاقتصادي، د. سعد نوري، يقول بأن سكان العراق بلغوا بموجب إحصاء سنة 2024 أكثر من 46 مليون نسمة، في حين أن أعدادهم في إحصاء سنة 1987 كانت 16 مليونا “أي تضاعف السكان خلال عقدين ونصف العقد إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، بمعدل نمو يبلغ 2.53% سنوياً”، وتوقع أن تصل اعداد العراقيين بين سنتي 2030 و3040، الى 50 مليون ومن ثم 70 مليون نسمة.

ويعتقد أن الزيادة السكانية هذه لم تقابلها مشاريع تنمية وطنية لأسباب عديدة يلخصها:”العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على العراق في عقد التسعينيات، والانهيار الأمني الكبير الذي اعقب سقوط النظام العراقي السابق في 2003، واستشراء الفساد لاحقا في المؤسسات الحكومية، والصراع على المال العام من قبل أحزاب السلطة التي تتقاسم فيما بينها موارد الدولة أو جزءاً كبيراً منها”.
في حين أن العراق حسبما يقول، يعتمد وبنحو شبه كامل على إيرادات النفط، وأن ميزانيات الدولة السنوية قد بنيت وفقاً لهذا الأساس، في ظل تدهور قطاعات الصناعة والزراعة على النطاقين العام والخاص فضلا عن “توظيف أعداد كبيرة من العاملين غير المنتجين في مؤسسات الدولة”.
المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، قال في تصريح صحافي، أن “الإسقاطات السكانية تؤشر أن حجم سكان العراق سيتزايد خلال سنوات خطة التنمية الوطنية 2024 – 2028 وما بعدها حتى عام 2030 من 46 مليونا و180 ألف نسمة – بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن الذي أجري في تشرين الثاني 2024 – إلى 48،9 مليون نسمة عام 2028”.
وذكر بأن هذه الزيادة “تتطلب توطين المتغير الديموغرافي في الخطط والبرامج والسياسات القطاعية وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري”.
وتوقع أن تتسبب الزيادة السكانية “بمضاعفة الضغوط على معدل استهلاك الموارد وعلى توفير البنى التحتية وضمان شمولية خدماتها لجميع السكان، فضلا عن استمرار الحراك السكاني، الذي يتسبب بمضاعفة مشاكل الاكتظاظ السكاني في المدن، وانعكاساته السلبية على الخدمات المقدمة في الحضر من قبل الدولة، وبروز ظاهرة العشوائيات، فضلاً عن مشكلات اجتماعية سلبية أخرى”.
وكانت وزارة المالية العراقية قد أعلنت في شهر حزيران 2025، عن مساهمة النفط بنسبة 91% في حجم إيرادات الموازنة الاتحادية لعام 2024 والتي بلغت أكثر من 140 ترليون دينار، حيث بلغت إيرادات النفط لوحدها، أكثر من 127 ترليون دينار، بينما الإيرادات غير النفطية أكثر من 13 تريليون دينار.
د. سعد نوري، يرى بان الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، يعني بأن الاقتصاد الريعي ما يزال هو الأساس في بنية الموازنة وهذا يفتح باب أزمات كبرى خاصة مع الزيادة السريعة في السكان “إذ أن انخفاض اسعار النفط سيؤدي الى عجز مالي أكيد وبالتالي فشل جميع خطط الحكومة للتنمية وتأمين الخدمات، وغرق البلاد في ديون خارجية وأزمات داخلية، وهو ما يفرض العثور على مصادر أخرى للدخل من خلال دعم الصناعة والزراعة والسياحة”.
البطالة والفقر
البطالة والفقر وقلة الخدمات وأزمات أخرى مثل السكن والوقود وقلة الدواء وغيرها، كانت عناوين بارزة في العراق خلال العقدين الأخيرين، كنتائج للزيادة السكانية التي لم تقابل بمعالجات حكومية ذات تأثير جذري، وفقاً لمتخصصين اقتصاديين.
غير أن ثم نبرة تفاؤل في بيانات وزارة التخطيط، إذ أعلنت في أيار 2025 عن انخفاض مستوى البطالة في البلاد لتبلغ نسبتها 13% فقط، وهو تحسن ملحوظ قياسا بسنة 2021 إذ كانت نسبة البطالة حينها 16.5%.
ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، فإن البطالة شهدت تراجعاً في العراق بتأثير من خطة تنموية وضعتها وزارة التخطيط في ظل أولويات البرنامج الحكومي: خلقت بموجبها المزيد من فرص العمل على مستوى التوظيف الحكومي لحملة الشهادات العليا، أو أوائل الجامعات”.
منذ ثمانينات القرن الماضي، لم تقم إدارات المدن الكبيرة بتحديث وتوسيع تصاميمها الأساس ولاسيما بغداد والبصرة والموصل
وذكر أن معالجة مشكلة المشاريع المتلكئة لوحدها، أسهمت في توليد فرص عمل، وكذلك المشاريع الجديدة التي أُدرجت خلال السنوات المنقضية وشرع بتنفيذها، كمشاريع فك الاختناقات المرورية التي شهدتها العاصمة بغداد والمحافظات، إذ وفرت حسب قوله أعداداً كبيرة من فرص العمل التي أسهمت بنحو واضح في معالجة البطالة.
ولكن يبدو أن الاجراءات الحكومية لم تكبح كثيراً جماح الفقر في البلاد، فمازالت نسبة الفقر المعلن عنها من قبل وزارة التخطيط كبيرة قياساً بما يمتلكه العراق من ثروات وعلى رأسها النفط، إذ قال وزير التخطيط محمد تميم في مؤتمر صحافي عقده مطلع العام 2025 أن نسبة الفقر في العراق تبلغ 17,5%.
وقال بأن الفقر متراجع في العراق قياسا بنسبته التي كان عليها سنة 2020، والتي بلغت حينها 25% أي أن أكثر من 11 مليون عراقي كانوا تحت خط الفقر، على حد قوله.
الكاتب في الشأن الاقتصادي، معتصم عبد الخالق، يقول بأن تراجع البطالة والفقر في البلاد:”طفيف جداً”، وهو لا يجد أصلا في التوظيف الحكومي حلاً “بل هو يمثل أزمة جديدة ترهق ميزانية الدولة وتستنزفها، فهنالك بين أربعة إلى خمسة ملايين موظف حكومي في العراق، أي تقريبا 10% من الشعب موظفون”.
ثم تساءل: “ماذا لو انهارت اسعار النفط، من أين ستؤمن الدولة رواتب لهذا العدد الكبير من العاملين لديها”. ثم يشير إلى أن الفساد الحكومي “يؤثر بشكل كبير على الخطط التي تعلن عنها كل كابينة حكومية جديدة، فأحزاب السلطة تستحوذ على حصص من أموال المشاريع التي تعاني بسبب ذلك إما من التلكؤ أو سوء التنفيذ”.
ويقول بأن كل شيء تقريباً يتم استيراده من دول الجوار، إيران وتركيا: “المحاصيل الزراعية من خضار وفاكهة، والمنتجات الصناعية بمختلف أنواعها بما فيها الغذائية والانشائية والادوية والملابس وغيرها”. ويضيف: “لذلك لا نجد الأحزاب الموالية لهاتين الدولتين، تسمح بنهوض الصناعة والزراعة العراقيتين مجدداً “لكي يتم الاعتماد وبشكل كامل عليهما”.
نقص المياه
الزيادة السكانية، تسببت بتفاقم أزمات أخرى، كأزمة نقص المياه، إذ ساهمت سدود بنتها تركيا على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان منها، وقطع إيران للجداول النابعة من أراضيها والمغذية لنهر دجلة، وقلة الأمطار خلال المواسم الأخيرة، في حصول نقص حاد بإمدادات المياه في العراق ولاسيما خلال فصل الصيف، ودفع ذلك الى الاستخدام المفرط للآبار وحفرها بنحو عشوائي ما أدى الى تراجع كبير في المياه الجوفية.
ونشأ عن كل ذلك، جفاف في مناطق تعتمد فيها الزراعة المتعثرة أصلا على الري، فضلاً عن جفاف مساحات كبيرة من الأهوار في جنوبي البلاد وهجرة سكانها إلى مناطق أخرى، مع معاناة في الحصول على المياه الصالحة للشرب للكثير من المواطنين حتى داخل المدن الرئيسية.
الخبير الزراعي عبد الكافي سعدون، يقول أنه وبدلاً من أن يسهم القطاع الزراعي في العراق بتأمين الاحتياجات المتنامية من المحاصيل الزراعية بما يتلائم والزيادة السكانية: “نجد بان هنالك تدهوراً كبيراً في هذا القطاع بسبب الاهمال الحكومي، وقلة المياه وزحف التصحر، وعدم مقدرة المنتوج المحلي على منافسة المستورد من دول الجوار”.
ويلفت إلى أنه وعلى الرغم من المقترحات الكثيرة والخطط العديدة التي أعلن عنها “بقيت الحكومات العراقية عاجزة عن معالجة الخطر الكبير الذي يهدد العراق بسبب قلة المياه”. وذكر بأن حلولاً متاحة لم يتم التحرك بشأنها بجدية، منها “مشاريع حصاد المياه، بجمع امطار السيول في الربيع والشتاء للإفادة منها في موسم الصيف، بمناطق غربي البلاد او ما تعرف بالجزيرة، التي تمتاز بوجود وديان عميقة، وأراض منحدرة تتحرك السيول عبرها”.
وايضاً المشاريع الاستراتيجية التي عطلت، ومنها “مشروع ري الجزيرة الجنوبي، الذي بقي حبراً على ورق على الرغم من إنفاق مبالغ كبيرة على وضع التصاميم الخاص به منذ أكثر من عقدين، وهو مشروع مهم جدا بوسعه اعادة الحياة الى غربي وجنوب نينوى”.

يضيف إلى ذلك مشاريع الأحزمة الخضراء التي يقول الخبير الزراعي انها كانت ستسهم بوقف تمدد الصحراء، وتعمل على استصلاح مساحات واسعة من الأراضي.
ويرى عبد الكافي، أن على الدولة، أن توفر للمزارعين وسائل ري حديثة لمنع الهدر في المياه، فضلاً عن دعمهم بالأسمدة والبذور والمبيدات، وحماية منتجاتهم ومحاصيلهم من المنافسة الأجنبية غير العادلة على حد تعبيره، مضيفا: “يتسبب اغراق السوق بالمنتجات الزراعية الأجنبية الرخيصة بخسائر فادحة للمزارع العراقي، فمن الطبيعي في تلك الحالة أن يهجر الزراعة ويبحث عن عمل آخر”.
ويتابع: “عودة الروح للقطاع الزراعي والثروة الحيوانية، سيعني تغطية الحاجة المحلية ومنع هدر مليارات الدولارات في الاستيراد، وتأمين فرص عمل كبيرة، وعودة النازحين من القرى والأرياف الى مناطقهم”.
ووفقاً للكاتب في مجال البيئة، رضوان محمد شاكر، هنالك جملة تحديات أفرزها التضخم السكاني، فيما يتعلق بتأمين مياه الإسالة. ويقول إن الكثير من الأحياء السكنية داخل المدن غير مخدومة بمياه الإسالة الى اليوم، ولم تمد إليها شبكات النقل.
وهنالك شكاوى مستمرة من المواطنين تفيد بعدم صلاحية المياه الواصلة الى المنازل للاستهلاك البشري، بسبب تهالك شبكة أنابيب النقل التي تتسرب إليها مياه المجاري، لذلك فإن الكثير من السكان يضطرون ومنذ سنوات لشراء مياه الشرب المعبأة “وهو ما يثقل كواهلهم بأعباء مالية إضافية”.
ويستشهد الكاتب رضوان، بأرقام وزارة التخطيط المتعلقة باستهلاك الفرد العراقي للمياه: “تتراوح بين 350 إلى 400 لتر يوميا في المدن، و200 لتر في الأرياف”، ويلفت إلى أن هذا يعني: “وجود هدر كبير في المياه قياسا لبلد يعاني من شحة المياه”.
ويعدد أوجه الهدر:”انتشار مغاسل السيارات، وعادة غسل المواطنين لسياراتهم أمام المنازل، وغسل الأرصفة الخارجية للمنازل وحتى الشوارع الفرعية، الى جانب وجود عشرات الالاف من مولدات الكهرباء الديزل المنتشرة في البلاد والتي تحتاج الى كميات كبيرة من المياه لتبريد محركاتها التي تعمل ليل نهار، والتكسرات في شبكات نقل المياه تحت الأرض خاصة وأن معظمها قديمة ومتهالكة”.
ودعا رضوان، إلى فرض غرامات مالية كبيرة بحق المتجاوزين على شبكات المياه أو المتسببين بالهدر، سواءً “المغاسل والورش الصناعية والمتاجر أو المواطنين”، والعمل على “نصب عدادات المياه في جميع العقارات بلا استثناء، والزام أصحاب مولدات الديزل بكميات محدودة من المياه يومياً”.
أزمة السكن
معدل النمو السكاني السنوي البالغ في العراق 2.6، أدى الى حاجة تراكمية للوحدات السكنية تبلغ مليونين ونصف المليون وحدة سكنية بحسب المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار، الذي قال في تصريح صحافي مطلع 2025، أن هنالك حاجة لبناء 200 ألف وحدة سكنية سنويا لمعالجة الازمة تدريجيا.
وذكر أن الوزارة أعدت خططاً لمشاريع إسكان عديدة تتضمن منح قروض وتفاهمات مع المصارف المحلية مع تخصيص 20% من الوحدات السكنية المشيدة للدولة، من أجل توزيعها على 21 فئة مستحقة في المجتمع، كالمتقاعدين والموظفين وذوي الشهداء والمشمولين بالحماية الاجتماعية.
وتم بالفعل، بناء العديد من المدن السكنية الجديدة في مناطق عدة من العراق. ويذكر المهندس غازي عبد الموجود، أن هنالك: “تغيراً في نظام البناء في العراق، من الأفقي إلى العمودي”، ويبين السبب: “للإستفادة قدر الإمكان من مساحات الأراضي المتاحة، بسبب ندرة الأراضي غير الزراعية”.
ويقول بأن الأراضي الزراعية نفسها، تأثرت كثيراً بالنمو السكاني في العراق، فبسبب ندرة الأراضي السكنية، والارتفاع الكبير في أسعارها، انتشرت في العديد من مناطق البلاد ما تعرف بجمعيات الاسكان: “اشترت أراضي زراعية، وقامت بتقطيعها وتوزيعها على أعضائها مقابل مبالغ بسيطة، وأصبح تقريبا لكل دائرة حكومية أو لكل فئة في المجتمع جمعية توزع الأراضي بهذه الطريقة على اعضائها”.
“وهكذا تم تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ولاسيما في محيط المدن، ونشوء تجمعات سكانية يفتقر الكثير منها الى الخدمات، لعدم دخولها ضمن مشاريع التخطيط العمراني” يضيف المهندس غازي.
ومن المعالجات الأخرى التي لجأت إليها الحكومة العراقية، تمليك المتجاوزين على الأراضي السكنية المملوكة للبلديات قبل 10 كانون الأول ديسمبر 2024، وذلك بموجب قرار أصدرته في العاشر من آب أغسطس 2025، وتضمن القرار كذلك، تقسيط بدل بيع العقار المملك لمدة 20 سنة.
وبين مؤيدين لهذا القرار لتخفيف أزمة السكن، ومعارضين لأنه سيشجع الكثيرين للتجاوز على أملاك الدولة حاضرا ومستقبلا بهدف تملكها في نهاية المطاف، تبقى هنالك حاجة الى بناء مئات الالاف من الوحدات السكنية من أجل احتواء النمو السكاني المتزايد والنزوح من الريف الى المدن.


الوثائق منقولة من موقع قانونجي
حلول ومعالجات
الباحث الاجتماعي وعد سالم عزام، يقول بأن على الدولة وضع خطط لمواكبة النمو السكاني “بنحو منظم” باعتماد طرق علمية وعملية “ووضع سياسات متوازنة تحمي حقوق المواطنين وتوفر لهم وللأجيال المقبلة حياة كريمة”.
ويعدد الطرق والوسائل للقيام بذلك: “إطلاق حملات توعية لتحديد النسل، وتنويع الاقتصاد والاستثمار الصناعي والزراعي”.
ويشير إلى أن للمؤسسة التربوية دورا مهما في بث الوعي إزاء ما يمكن أن تؤدي اليه الزيادة السكانية، سواءً من خلال المناهج الدراسية أو الفعاليات والأنشطة المتنوعة والاعلانات الموجهة.
كما يرى بأن للجوامع أيضاً دور مهم في ذلك من خلال، خطب الجمعة والمناسبات الدينية “ولاسيما أن شريحة واسعة من المجتمع العراقي متدين”، فضلاً عما يمكن أن تقوم به منظمات المجتمع المدني عبر مشاريعها أو حملاتها الخاصة بتنظيم الأسرة، والعمل على تعزيز مكانة المرأة في المجتمع وتفعيل دورها ولاسيما في قطاعي التعليم والعمل.
ويعتقد بان على الدولة تقليل الاعتماد على النفط بخطط قصيرة وطويلة الأمد، هدفها تنويع الاقتصاد، والعمل على دعم وتطوير القطاع الخاص، ورفع كفاءة القطاع الحكومي، وإعادة الحياة لمئات المعامل والمصانع المعطلة، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي ومعها الثروة الحيوانية عبر مشاريع واستثمارات متنوعة.
ويقول: “سيتم بذلك خلق فرص عمل مستدامة، وستندرس معدلات البطالة والفقر تدريجيا”.
الكاتب في المجال الاجتماعي يعرب سعيد، يشير إلى أن الطبيعة القبلية في معظم مناطق العراق، تشجع على زيادة الإنجاب “يحدث ما يشبه التباري أحيانا داخل الاسرة الواحدة بين الاشقاء في من بوسعه الانجاب أكثر، كما أن بعض العائلات تتفاخر بأعداد أفرادها الكبيرة، وهنالك عائلات تحرص على أن يكون هنالك أكبر عدد ممكن من الذكور فيها، فضلاً عن تعدد الزوجات الشائع ولاسيما في المناطق الريفية، وهو أمر موجود لكن بنسبة اقل في المدن”.
وينتقد يعرب، الحكومة العراقية لأنها ترفض الإقرار بوجود تضخم سكاني “هي تعد الزيادة الكبيرة الحاصلة أمراً طبيعيا بسبب زيادة الخصوبة في المجتمع العراقي” على حد قوله. ويستدرك: “التهرب من المشكلة، يعني أن لا حلول لمعالجتها، وبالتالي نشهد اليوم ضغطاً كبيرا على الخدمات العامة وفي المدارس والمستشفيات، وسيتفاقم ذلك في السنوات المقبلة، وسترتفع معدلات الجرائم بمختلف أنواعها وعلى رأسها التعاطي والاتجار بالمخدرات، كنتيجة طبيعية لتزايد الفقر والبطالة”.
حامد العلي (45 سنة) مدرس رياضيات، من منطقة الدورة في جنوبي العاصمة بغداد، لديه ستة أطفال، أربع بنات، وولدان، يقول بأنه كان قد قرر الاكتفاء بإنجاب ولدين اثنين، ذكرين، ومع كل ولادة بنت كان يطلب من زوجته المحاولة مجدداً.
يضيف وهو ينظر الى أبنه الأصغر:”صحيح أنني أعيش في بغداد منذ صغري، لكنني في الأصل انحدر من بيئة عشائرية، وعادة ما نفضل أن يكون لدينا أبناء ذكور.. أمي كانت ترفع يديها للدعاء كلما رأتني، بأن يرزقني الله ولدا”.
ويقر بأنه راتبه الشهري لا يغطي كامل الاحتياجات، كنفقات المعيشة اليومية والمدارس والثياب والأدوية والعلاجات، وأنه يضطر أحيانا للاستدانة من أشقائه الذين يعملون في القطاع الخاص. ثم يقول بوجه باسم مخففاً عن نفسه: “أبي كان يقول بأن الأبناء رزقهم يأتي معهم، والله سيعيننا بالتأكيد”.
ويستدرك: “هكذا علمني ابي، الذي رزق بأحد عشر ابناً، لكن لو عاد بي الزمان إلى بداية زواجي، لاكتفيت بابنتين فقط، كان هذا أفضل بكل تأكيد، فأنا الآن أشعر في داخلي بالتقصير، لأنني لا أستطيع تلبية احتياجاتهم جميعا!”.
المصدر: شبكة نيريج + العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!