عاد ملف الجنسية المزدوجة إلى واجهة الجدل السياسي في العراق، بعد مقترح نيابي لتعديل قانون الجنسية النافد لمنع حاملي الجنسيات الأجنبية من تسنم المناصب السيادية والأمنية، وسط تساؤلات عما إذا كان التحرك الجديد مدفوعا بأجواء الانتخابات التشريعية.
ويقضي المقترح المقدم بتعديل المادة (9) من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006، بحيث يمنع العراقي الذي يحمل جنسية أخرى، سواء كانت مكتسبة أو أصلية، من تولي أي منصب سيادي أو أمني أو إداري رفيع، ما لم يتنازل صراحة ورسميا عن جنسيته الأجنبية.
ويشمل المنع المقترح، المناصب العليا كافة، مثل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ونوابهم، والوزراء، وأعضاء القضاء والادعاء العام، وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، والمحافظين، وكل من يشغل منصبا بدرجة مدير عام فما فوق.
ويقول النائب عامر عبدالجبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المقترح يهدف إلى معالجة واحدة من أكبر الثغرات القانونية التي سمحت بتسلم مزدوجي الجنسية مناصب سيادية وأمنية في الدولة، دون وجود رقابة فعلية أو إلزام دستوري واضح بالتخلي عن الجنسية الأجنبية”.
ويضيف أن “العديد من الدول، خصوصا في الشرق الأوسط، لا تسمح بتعدد الجنسية في المناصب العليا، والعراق اليوم بحاجة إلى مقاربة مشابهة تحفظ سيادته، وتمنع تضارب المصالح أو ضغوط السفارات الأجنبية”، لافتا إلى أنه “من غير المنطقي أن يمنح شخص يحمل جنسية أخرى مسؤولية إدارة ملفات حساسة تتعلق بأمن الدولة واستقرارها، ثم يكون خارج نطاق المحاسبة عند انتهاء خدمته أو مغادرته للبلاد”.
ورغم أن الدستور وقانون الجنسية النافد يشترطان التخلي عن الجنسية الأجنبية لتولي المناصب السيادية أو الأمنية، إلا أن كليهما يفتقران إلى تعريف دقيق وملزم لتلك المناصب.
فالمادة (9 / رابعا) من القانون لم تحدد من يقصد بالمنصب “السيادي أو الأمني”، كما لم تنص على آلية متابعة تنفيذ شرط التخلي عن الجنسية، وهذا الغموض فتح الباب أمام حالات متعددة لتولي مزدوجي الجنسية مناصب رفيعة، دون التحقق من مدى التزامهم بالشرط القانوني، ما شكل ثغرة تشريعية استغلت مرارا، وأثارت جدلا متكررا في الأوساط السياسية والقانونية.
وشهدت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 تسنم عدد كبير من السياسيين والوزراء والسفراء من مزدوجي الجنسية لمناصب عليا، بعضهم غادر البلاد عقب تورطه في ملفات فساد، دون أن تتمكن السلطات من ملاحقته بسبب تمتعه بجنسية أجنبية.
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مقترح تعديل المادة (9) من قانون الجنسية يمثل خطوة مهمة تتقاطع مع مبادئ السيادة الوطنية من جهة، وواقع الازدواجية القانونية والمجتمعية من جهة أخرى، إذ أن اشتراط التخلي عن الجنسية الثانية لتولي المناصب السيادية والأمنية يعكس الحرص على الولاء المطلق للدولة العراقية، لكنه في ذات الوقت يصطدم بواقع شريحة واسعة من العراقيين مزدوجي الجنسية، الذين أسهموا في الحياة السياسية والإدارية”.
ويتابع أن “التعديل المقترح بحاجة إلى توازن دقيق بين حماية السيادة وضمان المشاركة السياسية العادلة، بعيدا عن الإقصاء أو فتح المجال للتأثيرات الأجنبية التي قد تستغل تحت غطاء قانوني أو إداري”.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، تخلى عن جنسيته البريطانية بعد تسمنه منصبه، حيث كان قد انتقل لها أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث حصل على شهادة الدكتوراه ونالها من جامعة مانشستر، بعدها أصبح العبادي الناطق باسم حزب الدعوة في بريطانيا، قبل أن يعود إلى العراق بعد 2003.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي علي ناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل فترة انتخابات تتحرك قوانين مهمة، وأهمها ازدواج الجنسية والمساءلة والعدالة، وربما يتم استخدامها انتخابيا، لكن الجهات التي تريد أن تثبت قوتها تعتقد أنه من الأفضل إلغاء ازدواج الجنسية”.
ويؤكد أن “وجود ازدواج الجنسية قد يعقد إجراءات المحاسبة، خصوصا في حالات الفساد، إذ يمكن للمتهم مغادرة البلاد واللجوء إلى الدولة الأخرى التي يحمل جنسيتها، وهو ما حصل بالفعل مع مسؤولين سابقين”.
ويشدد على أن “من يتسلم موقعا سياديا أو أمنيا يجب أن يكون حاملا للجنسية العراقية فقط، ومرتبطا بها قانونيا وشعوريا، لتفادي أي التباسات أو تعارضات عند فتح ملفات تحقيق أو صدور أوامر قضائية”.
ومن المفترض أن تجرى الانتخابات في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وسط تنافس حاد بين القوى السياسية، والتوجه لإثارة قوانين عدة، لها ارتباط بالانتخابات وما بعدها.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!