يتصاعد الجدل في العراق بشأن نزاهة العملية الانتخابية، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، وذلك بعد قرار المفوضية العليا للانتخابات إلغاء استخدام الحبر الانتخابي يوم الاقتراع، ما أثار مخاوف واسعة في الأوساط السياسية والشعبية من تداعيات القرار في المرحلة المقبلة.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بينت الأسباب التي دفعتها إلى إلغاء الحبر في الانتخابات المقبلة، والتي من بينها اعتماد تكنولوجيا حديثة، مثل البصمة والعين لمنع التزوير.
ويعد “الحبر الانتخابي” أحد أبرز الأساليب التي اتبعتها المفوضية في كافة الانتخابات التي شهدها العراق بعد العام 2003، للتأكد من أن الناخب قد أدلى بصوته يوم الاقتراع، بعد مروره بسلسلة من الإجراءات المُتبعة يوم التصويت (التأكد من بطاقته الانتخابية، تسلمه ورقة الاقتراع، الإدلاء بصوته، وضع الورقة في صندوق التصويت، ثم غمس أصبعه بالحبر الانتخابي).
وقال عضو الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، مهند مصطفى الصراف، للصحيفة الرسمية، إن “وجود الحبر الانتخابي كان إجراء للحد من التصويت المتكرر في الانتخابات السابقة، وفي ظل سعي المفوضية لإدخال التكنولوجيا الحديثة والإجراءات الإلكترونية لتطوير إجراءاتها الفنية المتبعة في العملية الانتخابية المقبلة، التي ستجرى في الحادي عشر من تشرين الثاني المقبل، باعتماد البطاقة البايومترية حصرا في عملية التصويت في يوم الاقتراع، لم يعد الحبر ضرورة في الانتخابات المقبلة”.
وأضاف، أن “المفوضية أضافت كاميرا لجهاز التحقق الإلكتروني الذي سيستخدم في الانتخابات البرلمانية”، مشددا على “ضرورة أن يجلب الناخب بطاقته البايومترية التي تسمح له بالإدلاء بصوته، حيث أن كل هذه الإجراءات كفيلة بمنع حصول التكرار في التصويت”.
وذكر الصراف “نوضح لكل شركاء العملية الانتخابية من الناخبين والمرشحين والتحالفات السياسية والأحزاب والمنظمات المحلية والدولية، أن المفوضية قد أجرت عمليات تحديث دقيقة للأجهزة الانتخابية، إضافة إلى أن التحقق من الناخب سيكون بواسطة البطاقة البايومترية حصرا، ومن خلال المطابقة الثلاثية لبصمة الناخب، وتمت إضافة الصورة البايومترية الآنية”.
وتابع “في ظل هذه الإجراءات، سيكون الحبر الانتخابي إجراء غير ذي جدوى من الناحية الفنية، ولا يمكن الاستفادة منه، ناهيك عن التكلفة المالية العالية لتصنيع وتجهيز الحبر الذي يتطلب إجراءات خاصة لنقله وخزنه، لكونه مادة كيميائية ولا يمكن استخدامها أكثر من مرة”.
وبحسب وثيقة رسمية، صادرة عن مفوضية الانتخابات، الاثنين الماضي، فإن مجلس المفوضين، أصدر قراره رقم 17 في المحضر الاستثنائي 34 المؤرخ في 16 تموز 2025، بشأن استخدام الحبر الانتخابي، ونص على أن المجلس ناقش مذكرة مكتب رئيس الإدارة الانتخابية، ووافق على إلغاء استخدامه، استنادا إلى المطالعة المشتركة بين دائرة العمليات وتكنولوجيا المعلومات وقسم المناقصات والعقود.
ويعرف عن حبر الانتخابات أنه لا يمحى بسهولة، ويوضع عادة على سبابة الناخبين، خلال فترة الانتخابات، لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة (التزوير الانتخابي) أي التصويت المزدوج، وهو حبر ثابت لمدة 48 ساعة.
وقد وصف مدونون قرار المفوضية، بأنه “أول بوادر التزوير”، مشيرين إلى أن الحبر الانتخابي يعد من أبسط ضمانات النزاهة، ومن العلامات المادية التي تمنع تكرار التصويت وتفضح التزوير.
وقد هاجم نواب من محافظة كركوك من العرب والتركمان القرار، مؤكدين أنه سيساهم بالتزوير، فيما طالبوا باستثناء كركوك من القرار، لضمان انتخابات “نزيهة وشفافة”، بحسب بيانات رسمية.
وقد أثارت الانتخابات الماضية التي جرت في 2021، خلافات كبيرة وتوترات منذ إعلان النتائج الأولية لها وحتى لحظة إعلان النتائج النهائية، وذلك عبر رفض قوى الإطار التنسيقي المكون من أغلب الكتل الشيعية باستثناء التيار الصدري، لنتائج الانتخابات.
الجدير بالذكر أن الإطار التنسيقي شن هجمة كبيرة واتهامات لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، متهما إياها بالمشاركة في ”تزوير الانتخابات”، وهو ما دفع بلاسخارت الى عقد لقاءات مع الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ورئيس تحالف الفتح ومنظمة بدر هادي العامري، في حينها، ومن ثم توجهت الى مجلس الأمن الدولي وقدمت إحاطتها، وأكدت فيها عدم وجود تزوير، على الرغم من أن الطرفين أعلاه أكدا أنهما قدما لها الأدلة التي تثبت وجود تزوير.
وقد توجه العامري، إلى المحكمة الاتحادية العليا، ورفع دعوى بشأن الانتخابات الماضية، لإلغاء نتائجها بتهمة التزوير، لكن المحكمة ردت الدعوى وصادقت عليها.
ومؤخرا، أعلنت مفوضية الانتخابات، أن عمليات بيع البطاقة الانتخابية، لن تكون مجدية، لأن التصويت يشترط بصمة الوجه والعين والأصابع لحاملها، وحذرت من أن بيعها سيخضع للمساءلة القانونية، وذلك بعد انتشار العديد من عروض شراء البطاقات من قبل المرشحين، ولعل أبرزها مديرة مدرسة حاولت سحب البطاقات الانتخابية لصالح مرشح محدد، وقد اتخذت وزارة التربية الإجراءات القانونية بحقها.
يشار إلى أن الانتخابات النيابية السابقة، شهدت لغطا كبيرا أيضا، بشأن أجهزة تسريع النتائج والعد والفرز الإلكتروني، وجرى توجيه اتهامات باختراق الوسيط الناقل (السيرفرات) للتلاعب بالنتائج.
ومما شهدته الانتخابات السابقة، هو ما كشفه رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، بوجود شكاوى عديدة من بعض المناطق، تتمثّل بقيام بعض الكيانات والأحزاب بتهديد المواطنين بجلب بطاقات عائلاتهم جميعا، والإدلاء بأصواتهم لها، بالإضافة إلى تأكيده أن بعض الجماعات حاولت ابتزاز الناخب، والتأثير على قرار التصويت لديه بالقوة، ومحاولة التجاوز على الدولة والقانون.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!