- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (8)

بقلم: نزار حيدر
الطَّائِفِي
إِثنان لا يستوعِبان فُرصةَ التَّغييرِ والإِصلاحِ الكُبرى [عاشُوراء] ولا يُمكن أَن يفهما كربلاء؛ الطَّائفي والعاطِفي.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {وسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ؛ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ ومُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِه الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الأَوْسَطُ فَالْزَمُوه والْزَمُوا السَّوَادَ الأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللَّه مَعَ الْجَمَاعَةِ وإِيَّاكُمْ والْفُرْقَةَ!} وفي قَولٍ آخر {يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وبَاهِتٌ مُفْتَرٍ} وفي ثالثٍ {هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ}.
لِماذا؟!.
لأَنَّ المُحِبُّ المُفرِط [العاطِفي] يرفُض التَّحليل المَنطقي والعَقلاني للأَحداثِ، فهوَ لا يُريدُ أَن يسمعَ أَو يقرأَ أَيَّ شيءٍ عن عاشُوراء إِلَّا بما ينسجِم مع مورُوثهِ الذي شكَّلَ عواطِفهُ ومشاعِرهُ وبالتَّالي علاقتهُ بها، حتَّى إِذا اكتشفَ خطأَهُ أَو عدَم دقَّتهِ، فيما نعرِفُ جيِّداً أَنَّ الحوادِثَ التاريخيَّة والمُنعطَفات الكبيرَة في التَّاريخ لا يُمكِنُ استيعابَها بالعَواطفِ الجيَّاشةِ أَبداً، إِذ لابُدَّ من تنشيطِ الذَّاكرة وإِعمال العَقل لاستيعابِ المُقدِّمات والمُخرجات حتَّى إِذا تعارضَت مع عواطفِنا وما رسمَت لنا من ثوابِت قد نظنُّ أَنَّها مُطلَقة.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ للحسنِ السِّبطِ (ع) {والْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ} بمعنى أَنَّ وعي عاشوراء وأَيَّ حدثٍ تاريخيٍّ لا يُمكِنُ إِلَّا بالعقلِ!.
وفي وصيَّةٍ أُخرى يقُولُ (ع) {يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وأَرْبَعاً لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ؛ إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ وأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ وأَوْحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ وأَكْرَمَ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ}.
لماذا؟! يُجيبُ (ع) {الْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ والْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ} والهَوى مُبتدأَهُ العاطِفة أَمَّا العقلُ فتُقاتِلُ بهِ قيادَ الهوى!.
لذلكَ فإِنَّ مُهمَّة الرُّسُل والأَنبياء هي {ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع).
وإِنَّما تدفِنُ العُقُولَ العواطِف!.
فالعاطفةُ مثلاً ترفُض أَن تحدِّثها عن [هزائمِ] المُسلمينَ في عهدِ رسولِ الله (ص) لأَنَّها لا تنسجِم مع مثلِ هذهِ المُصطلحاتِ، أَمَّا القرآن الكريم الذي يُخاطب العَقل بمنطقِ السَّماء فيُحدِّثنا عن هزيمةِ المسلمينَ في معركةِ أُحُد على الرَّغمِ من حضُور السَّماءِ [الوحي] والرَّسولِ (ص) والإِمامةِ [أَميرُ المُؤمنينَ (ع)] ومعَ كُلِّ هذا انهزمَ المسلمُونَ لأَنَّهم لم يأخذُوا بواحدةٍ من أَهمِّ أَسباب النَّصر [الطَّاعة والإِنضباط].
العاطِفةُ تتعارَض معَ العقلِ، فالثَّاني يدرُس الأَمر من كُلِّ جوانبهِ {ولَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الأَمْرِ وعَيْنَه وقَلَّبْتُ ظَهْرَه وبَطْنَه} كما يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) وفي خُطبةٍ أُخرى {وقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الأَمْرَ بَطْنَه وظَهْرَه حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ} قبل الإِستيعابِ وتحديدِ المَوقف النَّهائي ورسمِ الخُططِ واتِّخاذِ القرارِ، أَمَّا العاطِفة فلا تأخُذ بنظرِ الإِعتبارِ أَيِّ شيءٍ فقاعدَتها [الحبُّ والبُغضُ] فقط فإِذا مالت لشيءٍ وأَحبَّتهُ برَّرت لهُ كُلَّ شيءٍ أَمَّا إِذا مالَت عليهِ وأَبغضتهُ فلا تُبرِّر لهُ شيئاً حتَّى إِذا نزلَت عليها آية {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ}.
العقلُ علمِيٌّ أَمَّا العواطِفَ ففوضَويَّةٌ!.
أَمَّا المُبغِضُ المُفرِطُ فهذا بالتَّأكيد لا يُمكِنهُ استيعاب الفُرصة لأَنَّهُ عادةً ما يكونُ مِصداقَ قولهِ تعالى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وأُسلوبهُم الخبيث {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وهيَ الحالة التي شهِدتها كربلاء في يومِ عاشوراء عندما حاولَ الحُسين السِّبط (ع) أَن يُكلِّم القَوم ويُلقي عليهِم الحُجَّة بعدَ الحُجَّة خافَ قادَة الجَيش الأَموي من [الفِتنةِ والهرجِ واضطِرابِ الصُّفُوف] إِذا سمِعَ الجنُود كلامهُ (ع) وتأَثَّرُوا بمواعظِهِ واقتنعُوا بحججهِ الدَّامِغة فأَمرُوا فِرقة [التَّبويق والتَّزمير والتَّطبيل] برفعِ الأَصواتِ وملءِ ساحةِ المعركةِ بالضَّجيجِ حتَّى لا يسمعَ أَحدٌ خِطاب الإِمام (ع).
وتتكرَّر الحال اليَوم وفي كُلِّ يَومٍ [بوَّاقةٌ ومُزمِّرُونَ ومُطبِّلُونَ] يرفعُونَ أَصواتهُم ويملأُونَ السَّاحةَ ضجيجٌ وفَوضى للتَّشويشِ على صَوتِ الوَعي!.
مَن أَرادَ، إِذن، أَن يتعلَّمَ من عاشُوراء معنى الفُرصة وكيفَ يغتنِمها لتوظيفِها في عمليَّةِ الإِصلاحِ والتَّغييرِ إِذا جاءَت فعليهِ أَن يقرأَ كربلاء بعقلٍ مُنفتحٍ بعيداً عن هذَينِ الشَّيئَينِ المُضرَّينِ أَلا وهُما [الطَّائفيَّة والعواطِف] فالأُولى تُعمي البَصيرة والثَّانية تُلغي العَقل أَو تُضعِفهُ على تتبُّعِ الفُرصة كما يُشيرُ إِلى ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وسَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا} فشهادةُ العقلِ لا تكونُ إِذا طغَت العاطِفة والتي في كثيرٍ منها تتمظهَر بحُبِّ الدُّنيا والإِستسلامِ للهَوى وهوَ رغبةُ النَّفسِ الأَمَّارة بالسُّوءِ.
أقرأ ايضاً
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (13)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (12)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (11)