كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين أصبح السيد الأول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ظل شجاعاً في الدفاع عن قضايا العرب، لم ينحز الى قوميته الكردية، لكنه انحاز بشدة إلى عراقيته، حتى قال عنه الأخضر الابراهيمي يرثيه "لم اجد دبلوماسيا ألمع وأكثر حضورا منه"، كان هذا زمن عمل فيه ساسته من اجل مصلحة الاوطان والناس لامن اجل مصالحهم.
قبل أكثر من نصف قرن رأى هذا السياسي الذي نحتاج الى نموذجه اليوم، أن العراق بحاجة إلى الخبراء واصحاب المرؤة الوطنية، فقد رأى هذا الدبلومسي الكبيرالذي عاش أكثر من سبعين عاماً، أن الاوطان لا تنبى بالاحقاد والضغائن، وإنما بمد يد العون للجميع. وبناء الأمم يحتاج رجال وسياسات ومواقف ورؤية.
لماذا أتذكر الدبلوماسي العراقي الكبير عصمت كتاني الآن؟ أتذكره والعراق يدخل اوسع أبواب الامم المتحدة، حيث يتسلم العراقي برهم صالح ارفع منصب اممي بعد منصب الامين العام واعني به منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في خطوة تمثل خروجاً واضحاً عن التقليد المتبع منذ عقود والذي يميل إلى إسناد هذا المنصب لشخصيات من خارج بلدان الشرق الاوسط.
حدث تاريخي عراقي لا سابقة له، فقد تعودنا، على أن الحدث المهم هو الحدث الصاخب الذي يتبارى فيه ساستنا من اجل كراسي السلطة، ونسينا أن الحدث الأهم والأبقى والأهم، في تاريخ البلدان، هو الاعتماد على سياسي همه الاول البناء والعمران والتقدم والمشاركة، وتحصين العراق ضد الأخطار والمغامرات.
تعودنا دائما على الاخبار التي تتابع مسيرة ساسة يرفضون ان يأخذوا بيد العراق الى ضفة الامان والرفاهية، فهم مصرون على تغييبه، فيما نجدهم في المحافل يعلنون ولاءهم لشتى انواع الخارج، هذه المرة كان الخبر الاهم يرتبط بالعراق اولاً واخيراً، وبمسيرة سياسية تحرص على ان تقدم للعالم النموذج الارقى للسياسي العراقي، مسؤول على شاكلة عصمت كتاني وحسين جميل وعدنان الباجه جي، لم يظهر اسمه في أي خلل سياسي من الاختلالات التي ضربت العراق طوال اكثر من نصف قرن، سياسي بصرف النظر عن طائفته وقوميته، يؤمن بأنه ممثل حقيقي لكل العراقيين.
ما حدث في تعيين برهم صالح هو انتصار روحي معنوي للعراقيين جميعا، أما النصر الحقيقي، فهو أن يرتقي العراقيون إلى النظر الى مصلحتهم الحقيقية في اختيار طبقة سياسية ترد عنهم بلاء التفرقة وخراب المشاحنات الطائفية. مرة أخرى يتألق العراق بفوز برهم صالح بالمنصب السامي، ليقدم للعالم نموذج لسياسي عراقي يحمل الصدق والرضا، وبلا مساحيق سياسية مصطنعة.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!