- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل تفكك زيارة أردوغان العقد المستعصية بين بغداد وأنقرة؟
بقلم: عادل الجبوري
قبل أيام قلائل، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيزور العراق نهاية شهر آذار الجاري، لبحث جملة من القضايا والملفات الأمنية والمائية والدبلوماسية المشتركة بين أنقرة وبغداد، وكذلك بحث مسألة استئناف تصدير النفط العراقي من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي مع مسؤولي إلاقليم.
مصادر خاصة في رئاسة الوزراء العراقية أكدت خبر زيارة اردوغان، وقالت "ان الزيارة المهمة لأردوغان ستكون، يومي 30 و31 من شهر آذار الحالي، بحسب ما أبلغ به بشكل رسمي الجانب العراقي، وتجري الترتيبات لهذه الزيارة من الآن، كونها تستغرق يومين، كما ستشمل إقليم كردستان، وستتخللها عدة اجتماعات في بغداد وأربيل".
وأشارت المصادر إلى أن الزيارة "ستركز على ملفات خلافية عالقة بين البلدين منذ فترة طويلة، أبرزها ملف المياه، حيث أن العراق يسعى إلى الحصول على كامل حصته المائية العادلة، لمواجهة خطر الجفاف، إضافة إلى إعادة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، خاصة أن هذا الأمر يكلف العراق خسائر بملايين الدولارات بشكل يومي".
وأوضحت المصادر "أن ملف الأمن ستكون له أهمية، خاصة أن أنقرة تريد تحييد وتحجيم تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وأن هناك إمكانية عقد اتفاق أمني جديد لضبط الحدود بشكل مشترك، مقابل أن توقف أنقرة قصف الأراضي العراقية وإخراج قواتها من العمق العراقي، وهذا الأمر سيُحسم خلال التفاوض المباشر ولا اتفاق نهائيًا مسبقًا بشأنه لغاية الآن".
ولعل الرسائل التي انطلقت من أنقرة مع قرب موعد زيارة اردوغان لم تكن طيبة ولا ايجابية بالقدر الكافي، فصحيفة "حريت" التركية المقربة من الحكومة، تطرقت في تقرير مفصل لها مؤخراً إلى عملية عسكرية واسعة من المقرر أن ينفذها الجيش التركي داخل الأراضي العراقية قريباً، قائلة، "إنّ الاستعدادات متواصلة من قبل تركيا لتنفيذ عملية عسكرية برية واسعة في شمال العراق، تؤدي إلى إكمال السيطرة على المنطقة الحدودية بين البلدين، بعمق 40 كيلومتراً في الأراضي العراقية".
وأكدت الصحيفة أن "من الأهداف المقبلة للعملية، تعزيز القواعد العسكرية هناك، وتأسيس قواعد مؤقتة ودائمة جديدة في المنطقة، وتنفيذ عمليات عسكرية بدعم جوي للقضاء بشكل كامل على مواقع وتحصينات حزب العمال الكردستاني PKK".
وأكثر من ذلك، كشفت الصحيفة نقلاً عن مصادر رسمية في رئاسة أركان الجيش التركي "أن العمليات ستنفذ على امتداد الحدود التركية العراقية البالغة 378 كيلومتراً، على أن يتم إحكام السيطرة بشكل كبير على كل المنطقة الحدودية، كما جرى في سوريا على طول الحدود، وينتظر أن يتم اتخاذ إجراءات تناسب هذه العمليات في السليمانية وسنجار ضد مسلحي حزب العمال".
وقبل حوالى أسبوع، زار مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي تركيا والتقى كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم وزير الدفاع يشار غولر، وتمحورت مجمل اللقاءات حول سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين الجارين، لا سيما التعاون في ملفات الأمن وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والمياه وتبادل المعلومات. اذ اكد الاعرجي بحسب البيانات الرسمية "ان التعاون البنّاء في مجال ترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق مشروع طريق التنمية، يقود بطبيعة الحال إلى الاستقرار في جميع الجوانب، لا سيما الاقتصادية منها، وبما يعود بالمنفعة على الجميع، ويحقق مصالح الشعوب والدول".
ومن خلال قراءة ونظرة اجمالية عامة لصورة الوقائع والاحداث، يبدو من الصعب تشخيص مؤشرات ايجابية على امكانية حلحلة الملفات الاشكالية والقضايا العالقة بين بغداد وانقرة، وهناك اليوم من يقول ان اردوغان الذي لم ينجح او لم يرغب في التوصل الى حلول ومعالجات حقيقية للمشاكل مع العراق طيلة فترة حكمه التي امتدت عشرين عاماً، فانه أغلب الظن لن ينجح خلال الأعوام القلائل المتبقية له في السلطة، حيث انه اعلن في وقت سابق ان الانتخابات البلدية القادمة ستكون الاخيرة له، علما ان ولايته الرئاسية الحالية تنتهي في عام 2028.
ومعروف أن أنقرة في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي تلعب على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، وتراهن على ضعف الحكومات الاتحادية المتعاقبة، وصمت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لاعتبارات مصلحية تتجاوز الحالة العراقية، وبالتالي فإنها لا تعير كثيراً من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها.
في ذات الوقت، فإن هناك مصالح سياسية واقتصادية متشابكة بين أنقرة وبغداد، تخطئ أنقرة كثيرًا حين تفرط أو تزهد بها، كما أن علاقاتها ومصالحها الإقليمية، بل وحتى الدولية، قد لا تتيح لها فعل ما تريده وحدها، بعيداً عن حسابات الآخرين ومصالحهم، ناهيك عن أن المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الكرد في الإقليم، وعموم الفرقاء العراقيين، قد تأتي بنتائج إيجابية مرحلية لأنقرة، بيد أن الأمور على المدى البعيد ربما ستكون مختلفة، وخصوصاً أن المشهد السياسي العراقي مشهد فضفاض وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح.
وبالرغم من التعويل الكبير على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتركيا في اذار من العام الماضي لحلحلة وتفكيك العقد المستعصية طيلة عقود من الزمن بين بغداد وأنقرة، إلا أن تطوراً وانفراجاً حقيقياً وملموساً لم يتحقق، ونفس الشيء بالنسبة للزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للعراق اواخر شهر آب الماضي.
ولا شك أنه من غير المعقول ولا المنطقي تصور أن كل تلك المشاكل المعقدة والشائكة المتراكمة، يمكن أن تجد طريقها الى الحل بيسر وسهولة، مهما كانت النوايا صادقة، والارادات قوية، والمواقف حازمة، إلا أن ما يمكن تصوره هو تحديد مسارات واقعية متفق عليها بين الطرفين، مع إشراك اقليم كردستان بصورة حقيقية، وتقدير ومراعاة المصالح المتبادلة في إطارها الواسع والشامل.
و"زيارة أردوغان لبغداد - كما قلنا في وقت سابق - إذا لم تتمحور حول هذه الأمور فإنها ستكون عبثية، ولن تتعدى الاستعراض السياسي والتسويق الإعلامي الشكلي والعابر".