بقلم: علي حسين
هل شاهدت مثلي مقطع لمسرحية قدمها طلاب مدرسة ابتدائية، بمناسبة عيد المعلم بعدها تعرض مدير المدرسة الاستاذ خالد نجم إلى عقوبة، لأن العرض أشار للفساد السياسي والمالي، فكان لا بد من لجان تحقيق وتوبيخ.
المسرحية التي حصدت الإعجاب و المشاهدات، وحصد المدير بسببها عقوبة وتشكيل لجنة تحقيقية تبحث عن أسباب عرض هذا النوع من الأعمال الفنية، وهل هناك نماذج أخرى منها؟، حظي الأستاذ الحريص والمحب لطلبته بإعجاب آلاف العراقيين، فالرجل الذي ساهم في إعادة بناء مدرسته وكانت من المشاريع المتلكئة لسنوات، فجمع الأموال لإعادة ترميمها، وكان يمنح الهدايا للطلبة المتفوقين من راتبه الخاص اعتبره القائمون على شؤون التربية في بلادنا أنه يسيء للعملية التربوية التي تحظى باهتمام العالم، حتى أننا في طريقنا لنتفوق على كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان ونحصد المراتب الأولى في جودة التعليم، لكن، وآه من لكن، هاهي الإمبريالية اللعينة ومعها هذا المعلم "المدسوس" يتآمرون على بلاد الرافدين ويضعون العراق في مؤخرة الدول في مجال التعليم والتربية.
المؤامرة التي قادها المعلم مرتضى هدفها، بالتأكيد، الاستهانة بجهود كوكبة من العلماء الذين أداروا وزارة التربية والتعليم في العراق منذ تولي خضير الخزاعي وزارة التربية، ومروراً بفلاح السوداني ومحمد تميم، فبجهودهم استطعنا أن "نرفس" التصنيفات الدولية، فنحن أمة علمت العالم الكتابة والقوانين، واليوم تعلم البشرية كيف يصبح السياسي مليونيراً في سبع دقائق. وكيف يتمكن "نكرة" مثل نور زهير أن "يلفلف" مليارات الدولارات الحكومية في وضح النهار.
أخطاء تكاثرت حتى أصبحنا لا نفرق بين التربية باعتبارها منهجاً في تنشئة الأجيال الجديدة وبين الأجندات السياسية والحزبية التي تريد أن تحول هذا القطاع إلى ساحة صراع سياسي وطائفي.
ولعل من أسوأ الأفعال التي تعرض لها التعليم في العراق في السنوات الماضية هو ربطه بالمحاصصة الطائفية، وأزعم أن في هذا الفعل إهانة بالغة لقيمة التعلم في الحياة، بحيث يتحول معها التعليم من غاية نبيلة وهدف إنساني جليل يتعلق بنهضة المجتمع، إلى مجرد وسيلة يتخذها السياسيون لتنفيذ أجندات طائفية، فتحولت المدارس والجامعات إلى ساحات لممارسة أنواع الدجل والسخرية من أي قيمة معرفية وتحول التعليم من نور لإضاءة العقول إلى "تعتيم" يراد به جر المجتمع إلى عصور التخلف، غير أن قائمة "التعتيم" في حياتنا لم تتوقف عند التربية والتعليم، فقد تحولنا في كل المجالات إلى أمة بلا مشروع حقيقي للنهضة، لأن مسؤولينا الأشاوس مصرون على إهدار عناصر التنمية الحقيقية في مشاحنات ومنازعات مصلحية، لنصبح بلاداً بلا تعليم محترم، ولا صناعة، ولا زراعة، أما السياسة فكما ترون أصبحنا نستورد الحلول.