بقلم: علي حسين
عندما سُئل المستشار الألماني هلموت كول عن الصورة التي يتمنى أن يتذكره الناس بها قال: "مواطن ألماني جداً"، كان كول يقول لشعبه، وهو يشاهد جدار برلين يتهدم قطعة قطعة : "القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الأهم هي ما سنفعله بعد إزالة الجدار".
ربما سيقول البعض، ما لنا ومال ألمانيا وجدارها ومستشارها، ونحن نعيش اليوم الصراع على كراسي مجالس المحافظات، وأقول ما تعلّمته في الصحافة والكتب، يؤكد أنّ الاهتمام بالأحداث الآنيّة لا يمنعنا من تسليط الضوء على ما يعيق التقدم نحو المستقبل، المشكلة اليوم أنّ هناك شيئين في العراق، لا يمكن السيطرة عليهما، بعض ”لطفاء” الفضائيات، وتقلبات مشعان الجبوري.
عندما توحدت ألمانيا من جديد، قبل نحو ثلاثين عاماً، كان الثمن مئات المليارات دفعتها بون، المدينة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وقد اقتضى نهوض الألمان من ركام الموت والخراب وجود رجل دولة يدرك مسؤوليته تجاه شعبه، فوقع الاختيار على "كول" الذي سمي فيما بعد "مهندس ألمانيا الجديدة" لأنه استطاع وخلال سنوات قليلة أن يجعل من هذه البلاد، واحداً من أقوى اقتصاديات العالم.
وصف كثير من المؤرخين كول بالثعلب والداهية، فهو يستغل ابتسامته اللطيفة والحنكة التي تعلمها من والده محصل الضرائب للوصول إلى أهدافه، ولم يتأخر يوماً عن طلب المساعدة من سياسيين مثل تاتشر التي كانت تقول عنه "إنه ألماني عنيد"، وحين قال له ميتران يوماً إن ألمانيا ستعود دولة عظيمة مرة أخرى، ابتسم وهو يرد: "لا نريد دولة عظيمة، لأن ألمانيا العادية ستصبح يوماً أهم دولة في أوروبا. ومن دون صرخات هتلر، ففي السلم فقط يمكن لنا أن نبني بلداً مزدهراً".
تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن أن يصل إليه الفعل البشري، حين تتضافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الأوطان.
كم هو مذهل ومثير ونحن نقلّب صفحات التاريخ أن نجد كيف بدأ شبح الحرب الأهلية في إسبانيا كابوساً يلوح في الأفق بعد وفاة فرانكو، مذكّراً الإسبان بتاريخ لا يريدونه أن يعود، وقتها ظهر السياسي أدولف سواريث الذي اختير ليكون رئيساً للوزراء.
كان المناخ في إسبانيا آنذاك مهيّأً تماماً لاشتعال الأوضاع في أية لحظة، خاصة أن الجميع لم يكن قد نسي الدماء التي أريقت والأبرياء الذين قتلوا، إلا أن قوة صاحب الابتسامة الهادئة نجحت في إقناع الشعب، بأنّ هناك قارباً إسبانياً واحداً لابد أن يركبه الجميع. وأنّ راكباً واحداً بإمكانه أن يُغرق المركب.
اليوم ندرك جيداً أنّ الماضي يمكن أن يئد الحاضر عندما لا يريد السياسي او المسؤول ان يقول بصدق "أنا مواطن عراقي".