تدخل الأسواق العراقية، مهرجانا لرفع الأسعار بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان، وعلى الرغم من توعد الحكومة بعقوبات لـ"المتلاعبين بالأسعار"، إلا أن أسعار اللحوم مازالت تحلق، وفيما يرجع خبير اقتصادي هذا الارتفاع إلى عوامل دولية ومحلية، يرمي آخر بالكرة في ملعب السياسة الاقتصادية الداخلية التي أدت إلى تزعزع الثقة بالعملة وتوجه المواطنين إلى تحويل أموالهم إلى عقارات.
ويقول الخبير الاقتصادي والنائب منار العبيدي، إن "ارتفاع الأسعار يعود إلى أسباب عالمية وأخرى محلية، إذ بدأ الارتفاع عالميا منذ جائحة كورونا التي سببت طلبا عالميا على مختلف السلع، وهو أدى إلى ارتفاع الأسعار وتصاعد قيمة الشحن بين الدول، ثم رافقت ذلك الحرب الروسية الأوكرانية لاسيما أن جزءا كبيرا من المواد الغذائية مصدرها روسيا وأوكرانيا، وهذا أثر أيضا، إضافة إلى الأزمة الأخيرة في فلسطين وتهديد التجارة العالمية".
أما الأسباب الداخلية، فيذهب العبيدي، إلى أن "ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار رفع الأسعار بالتوازي، كذلك شحة السلع المنتجة محليا لاسيما المواد الغذائية بسبب العوامل المناخية التي أدت إلى تراجع الزراعة وقلة المعروض مقابل ارتفاع الطلب نتيجة الكثافة السكانية، وهذا يؤدي إلى رفع الأسعار".
ويضيف أن "من الأمور التي أثرت على الاقتصاد هي هجرة الكثير من المزارعين من الريف إلى المدينة نتيجة تراجع الواردات الزراعية"، مرجعا هذه الهجرة إلى "عاملين مهمين هما؛ موجة التعيينات التي أطلقتها الحكومة وبرامج الرعاية الاجتماعية، لذا أغلب المزارعين ذهبوا إلى القبول في الوظيفة أو رواتب الرعاية، ما أدى إلى انحسار كمية المنتجات الزراعية".
ويحذر الخبير الاقتصادي من أن "هذا التضخم في الأسعار سيؤدي إلى زيادة مستويات الفقر خصوصاً إذا لم تتم السيطرة عليها في السنوات القادمة من قبل الحكومات".
ومنذ بداية 2020 وحتى بداية 2024 ارتفعت أسعار السلع والخدمات في العراق بنسبة 18 بالمئة، بحسب بيانات الأسعار الصادرة من الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط.
وأكدت مؤسسة عراق المستقبل المعنية بالإحصاءات أن سلعاً مهمة وأساسية للمواطن العراقي شهدت ارتفاعا بنسبة الأسعار بلغت أكثر من 30 بالمئة تصدرتها اللحوم التي ارتفعت بنسبة 36 بالمئة، مقارنة مع 2020 كما ارتفعت أسعار الأسماك والألبان.
وعلى الرغم من هذه الارتفاعات، تشير المؤسسة إلى أن الحكومة لم تراع نسب التضخم الحاصة بالأسعار على امتداد السنوات الماضية على الرغم من أن إقرار قانون الخدمة المدنية يؤكد ضرورة تعديل رواتب الموظفين اعتمادا على نسب التضخم الحاصلة في البلد.
ومن المتوقع أن تستمر معدلات التضخم بالارتفاع خصوصا مع ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد الدولية بالإضافة إلى التغيّرات المناخية التي تؤثر على قطاع واسع من السلع الغذائية، بحسب "عراق المستقبل".
وعلى الرغم من هذه الارتفاعات بنسب التضخم خلال أربع سنوات إلا أنها تعتبر الأقل مقارنة بباقي الدول المجاورة والعالمية والتي فاقت مستويات التضخم فيها بشكل كبير خلال السنوات الأربع الماضية.
وبالعودة إلى أسعار اللحوم، فقد قفزت لحوم الأغنام إلى 25 ألف دينار (نحو 17 دولارا) للكيلوغرام الواحد في بعض المناطق، إذ تعدى للمرة الأولى سعر الخروف الواحد، سعر الغزال، بحسب تاجر اللحوم حسين الشمري.
ويضيف الشمري، أنه اشترى خروفا زنة 55 كيلوغراما وصل سعره إلى نحو مليون دينار بينما يصل سعر الغزال إلى 500 ألف، لافتا إلى أن "سعر لحم البقر حافظ على سعره القديم مع ارتفاع طفيف إذ وصل إلى 16 ألف دينار للكيلوغرام الواحد".
ويرجع هذا الارتفاع إلى "عمليات التهريب التي تطول الغنم العراقي، إضافة إلى موسم الأمطار الذي حدا بمربي الأغنام للهجرة إلى البوادي التي أصبحت غنية بالعشب".
من جهتها، أعلنت وزارة الزراعة، أمس الاول الثلاثاء، عن اتخاذ إجراءات لإعادة أسعار اللحوم إلى معدلاتها الطبيعية، وبحسب المتحدث باسمها محمد الخزاعي، فإن البلاد تعاني حالة الشح في اللحوم الحمراء وبالتالي ارتفاع أسعارها، ما أدى الى اتخاذ إجراءات لمعالجة الارتفاع، منها تسهيل عمليات الاستيراد، ومنح الإجازة وتسهيل نقل المواشي بين مختلف المحافظات، فضلاً عن السماح باستيراد المواشي من الأغنام والأبقار الحية لأغراض الذبح ولأغراض التربية، منوهاً إلى أن الوزارة قررت تشجيع الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية.
واحتلّ العراق المرتبة الـ122 عالميا والتاسعة عربيا بأعلى معدل للتضخم لعام 2022 بحسب مجلة CEOWORLD المختصة بالإحصائيات، حيث بلغ التضخم في العراق 5 بالمئة في 2022 منخفضا عن العام 2021 الذي بلغ فيه 6 بالمئة، ومرتفعا عن العام 2020 الذي كان 1 بالمئة.
إلى ذلك، لا يتفق الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، مع أن التضخم الحالي في العراق يعود إلى أسباب "عالمية"، إذ يجد أن "العراق غير متأثر بالحالة الدولية للتضخم، فأزمة كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية، ساهمت في ارتفاع أسعار النفط، وهذا الارتفاع ساهم إيجابيا في تعزيز الواردات".
ويرجع حنتوش، أسباب التضخم في العراق إلى "الخطأ الذي ارتكبته الحكومة السابقة في تخفيض سعر الصرف وهو قرار غير مدروس، كانت فوائده بسيطة جدا لتوفير سيولة نقدية في وقت أن هذا القرار سبب عدم ثقة في العملة وأدى إلى خروج كمية كبيرة من السيولة الموجودة لدى المواطنين وتوجهها نحو العقارات، ما رفع أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 150 بالمئة".
ويتابع أن "جزءا من عمليات غسيل الأموال دخلت في سوق العقارات، والمواطن كان يراقب انخفاض قيمة أمواله لذا قرر تحويلها إلى عقار، وهذا الموضوع بدأ ينسحب إلى أسعار المواد الغذائية وبقية السلع"، لافتا إلى أن "عدم استقرار سعر الصرف سبب آخر لارتفاع الأسعار في ظل عدم قدرة الحكومة على مواجهة التعاملات الدولية وعدم وجود سياسة خارجية ناجحة من قبل البنك المركزي، ما خلق حالة من عدم التوازن بأسعار السلع الحالية في السوق".
ومع اقتراب شهر رمضان، تعيش الأسواق العراقية بشكل سنوي ارتفاعا مزمنا للأسعار مع زيادة الطلب على المواد الغذائية واللحوم، على الرغم من توعد الحكومة بعقوبات مشددة بحق من وصفتهم بـ"المتلاعبين بالأسعار"، مؤكدة في الوقت ذاته متابعتها الأسواق والعمل على معالجة الشح في بعض المواد الغذائية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟