طرز الزمان خيوطه البيضاء على رؤوسهم ووجوههم ووهنت عظامهم من تقادم العمر، منهم من تجاوز العقد السادس من عمره والآخر تجاوز السابع منه، الا انهم باقون على العهد مع محمد وآل محمد في خدمة زوارهم، بمختلف الشعائر التي تقام في مناسبات استشهاد او ولادات اهل البيت، فوقفوا في مواكبهم ليكونوا قدوة للاجيال اللاحقة، ويسلموا الراية لهم بعد ان تسلموها من اجدادهم وآبائهم وحافظوا عليها، تطبيقا لما ورد عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، حين قال (احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا).
(79) عاما
وقف الحاج غانم وداي الذي يقف على عتبة الثمانين من العمر وانتهل من معين العشق الحسيني في طفولته وصباه من محافظة ذي قار وجاء الى بغداد ليكمل المسيرة ليقول لوكالة نون الخبرية ان "خدمتنا للامام الحسين والائمة الاطهار (عليهم السلام) بدأت منذ فتحنا اعيينا حيث كان اجدادنا وآبائنا وامهاتنا يحييون الشعائر فتربينا على ذلك، فانا ولدت بمنطقة آل جويبر في سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، واتذكر ان مناطقنا زراعية ويأتي خطباء ليلقوا محاضرات دينية عن القضية الحسينية في ثلاث بيوت او دواوين وكان آبائنا يصطحبوننا معهم لنحضرها بحرص شديد، ويقام بعدها شعائر قراءة القصائد واللطم ويبدأ بعدها توزيع الثواب والطعام على المشاركين، وكانت مدينتنا تتحول الى اللون الاسود بعد ان يرتدي الرجال والنساء والاطفال الملابس السوداء حزنا على مصيبة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ولان القضية الحسينية هي عشق وغذاء روحي روحي عند الانسان المحب، وكبرنا وتحولت المسؤولية علينا في ادارة العزاء واقامته، والذهاب الى الزيارة واقامة الشعائر".
"معازيب" الامام الكاظم
وينتقل "ابو احمد" الى مرحلة ثانية من حياته في خدمة محمد وآل محمد بالقول "انتقلنا للسكن في منطقة الحرية ببغداد ولكونها مجاورة لمدينة الكاظمية وعلى طريق السائرين لابي الرضا (عليه السلام) صرنا "معازيب" للزائرين، ودأبنا رغم التضييق الامني من النظام المباد الذي حارب الشعائر الحسينية على اقامة العزاء والمحاضرات الدينية بشكل مختصر وبحذر، وكذلك طبخ الطعام وتوزيعه كثواب على الجيران والمعارف والاقرباء، واستمر الحال بنا الى ان سقط النظام المقبور في العام (2003) وهنا كانت انطلاقة ملايين الزائرين نحو الكاظمية المقدسة ولم تكن هناك مواكب على الشارع، فهرعنا مع اقاربنا وجيراننا لاعداد مختلف انواع الطعام والشراب والفاكهة ونقف لتوزيعه على الشارع، واستمرينا لسنوات على هذا المنوال، وقبل خمس سنوات قررنا بعد وصول اعداد الزائرين الى ملايين القاصدين، نصب موكب الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) على الشارع العام الرابط بين مدينتي الكاظمية والحرية، ووقوفي في الموكب مع كبر سني غايته اعطاه درس للاجيال القادمة وهؤلاء الاطفال لازرع حب القضية الحسينية في قلوبهم كما زرعها اهلنا فينا، فمن يرى جده بشيبته يخدم اهل البيت تراه يتحول الى خادما مخلصا بتلقائية، لان طرق محمد وآل محمد هو طريق الهداية والصلاح، وفي الموكب بحدود عشرون خادما ونستمر لمدة اسبوع في خدمة زوار موسى بن جعفر (عليه السلام)، ونقدم ثلاث وجبات رئيسة، ففي الافطار نقدم الشوربة والبيض والمخلمة والقيمر، وفي الغداء نقدم الكبة والكباب والعشاء نقدم النواشف، ومعها الشاي والحلويات والفاكهة والمعجنات والقهوة الحلوة والمرة والكابنشينو، وكل الانفاق على الموكب منا ومن بعض المتبرعين للموكب".
عائلة حسينية
لبس السواد واكتسى لحيته ورأسه البياض، يتنقل بين اطراف الموكب ليطمئن على اعداد وجبات الطعام للزائرين، يتحدث مظفر عبد النبي اللامي (68 عاما) لوكالة نون الخبرية انه "من سكنة حي السلام (الطوبجي) في بغداد، ورباه اهله على حب الحسين وقضيته واحياء شعائرها منذ نعومة اظفاره، وكان يتردد بشكل شبه يومي على مدينة الكاظمية المقدسة، وفي العام (1965) منذ كان عمره (9) سنوات وكان طالبا في الصف الثالث الابتدائي اصبح خادما حسينيا، والمعلم الاول له هي والدته التي دأبت على اقامت الشعائر الحسينية في بيتها او الشارع على مدار السنة وفي جميع المناسبات، وتعتمد عليهم بمساعدتها، وحتى عندما يأتي ازلام النظام البائد من الامن او الحزب، كان لها اسلوب باقناعهم وكف الاذى عن عائلتها، وهو من خدام موكب عزاء (اهل البيت) في منطقة الوشاش الموجود الى الآن، ويشارك في مواكب اللطم والزنجيل و تجهزه امه وتأتي به الى الموكب للمشاركة، حتى كبر واصبح لا يفارق الشعائر الحسينية".
موكب الخدمة
انقشع الظلم وزال الطاغية وانفرجت الامور فانطلقت جموع الزائرين بالملايين لاحياء ذكرى المعذب في قعر السجون موسى بن جعفر (عليه السلام) ويشرح اللامي تلك الاجواء بقوله "اصبح في كل بيت موكب فهب اهالي الحرية لخدمة الزائرين وجلبوا طعام بيوتهم المخزون ليطعموا الزائرين، وقدموا كل ما يستطيعون تقديمه بالرغم من الاوضاع الاقتصادية الصعبة حينها، وحرص على احياء القضية الحسينية ومظلومية اهل البيت في نفوس الاجيال الصغيرة لان الطاغية حاول طمسها، ومع تزايد اعداد الزائرين قرروا في محرم من العام (2004) نصب موكب (وارث الانبياء)ن وقاموا بتأجير السرادق ومعدات الطبخ وتقديم الخدمة ثم اشتروا جميع الاحتياجات، واصبحوا يقدمون الخدمة بشكل واسع، وبثلاث وجبات رئيسة تتخللها وثلاث وجبات سريعة، ويخدم معه في الموكب (12) خادما نصفهم من الشيبة، ويستمروا لمدة ستة ايام في خدمة الزائرين".
قاسم الحلفي ــ الكاظمية المقدسة
أقرأ ايضاً
- جاء من ديترويت الى كربلاء المقدسة.. طبيب اميركي تطوع لعلاج زوار الامام الحسين في الاربعينية
- الام خادمة حسينية تعيش بكلى واحدة :عائلة كربلائية من تسعة افراد تدير موكبا حسينيا لخدمة الزائرين
- آوى النازحين والزائرين :موكب من واسط يقدم خدماته لزوار الحسين في كربلاء منذ (17) عاما