خلال الاحتلال العثماني للعراق افتتح الجد عبد الصاحب محلا صغيرا في جانب الكرخ قرب جسر الشهداء (الخشبي) آنذاك ليبيع شراب الزبيب للعمال والكسبة والحمالين واهالي بغداد، وبدأ بالأوعية البسيطة المستخدمة حينها من الفخار، ثم اشتهر ليصبح مقصد كل الرؤساء الذين حكموا العراق، وضيوفهم والبعثات الدبلوماسية والسياسيين والكتاب والادباء والقادة العسكريين والشعراء والفنانين، ومنذ (123) عاما تنقلت ادارته بين ابنه عبد الغفور وحفيده محمـد وما زال يسقي قاصديه بشربت الزبيب الذي تميز وتفرد بصناعته في العراق والوطن العربي.
افتتح عام (1900)
ويسرد(الحفيد) الحاج محمـد عبد الغفور عبد الصاحب (80 عاما) قصة مهنتهم ومحلهم لوكالة نون الخبرية بالقول ان" محل مرطبات الحاج زبالة لبيع شربت الزبيب يعتبر اقدم محل في العراق والوطن العربي لان جدي عبد الصاحب تولد (1870) عقد العزم في العام (1900) خلال الاحتلال العثماني على افتتاح محلا يبيع شربت الزبيب الذي لا يعرف الكثيرون كيفية صناعته، وفعلا افتتح المحل بجانب الكرخ في منطقة باب السيف عند رأس الجسر الخشبي القديم بالمثبت بالحبال و(الدوب)، حاليا جسر الشهداء عند بناية هيئة التقاعد العامة، التي كانت منطقة مرسى للسفن ووسائط النقل القديمة، ومنطقة تبادل ونقل نهري بين بغداد والمحافظات، وصناعة الشربت تنفذ بأدوات بسيطة بعمل يدوي متعب جدا، واختار جدي شربت الزبيب لان عمره يصل الى سنتين، بينما تتعفن باقي الفواكة، ولم يكن الثلج موجود حينها ويستخدم (الكوز) لتبريده، وبعد سنين دخل الثلج وكان ينقل على الدواب، ويلف بالتبن حتى لا يذوب، وفي العام (1908) انتقلنا الى سوق السراي وفي العام (1912) انتقلنا الى هذا المحل في شارع الرشيد ".
الملوك والرؤساء
ويستمر بالقول ان" مختلف شرائح المجتمع قصدت المرطبات وفي مقدمتهم الملوك مثل فيصل الاول وغازي وفيصل الثاني والرؤساء مثل عبد الكريم قاسم وعبد السلام وعبد الرحمن عارف وصولا الى جلال طالباني، والشخصيات المشهورة مثل الادباء والشعراء والرياضيين والفنانين والقادة العسكريين والهيئات الدبلوماسية والسفراء، كونه شراب بارد وطبيعي وصحي، وتعلقت بهذه المهنة وعملت في محل المرطبات وعمري تسع سنوات، ومضى على عملي فيه (71 عاما)، وكانت الاقداح التي يباع بها الزبيب من الفخار الذي تصنع منه (الحِب والتُنكة)، ثم اصبح البيع بطاسة النحاس، وكانت جميع الادوات المستعملة هي من النحاس المبيض في سوق الصفافير، ثم استخدمت الاقداح الزجاجية ويباع قدح الرمان بفلسين والزبيب باربع فلسان (عملة معدنية قديمة)، ونصنع الزبيب في (انجانه) نحاس قطرها متر تقريبا، ونفرغها بالسطل او التنكات، ثم انتقل العمل الى اواني الالمنيوم كونها اخف وزنا".
مكائن كهربائية
ومع تطور الحياة انتقل الحاج زبالة لاستخدام الكهرباء في معدات الصناعة والبيع ويقول" في اربعينيات القرن الماضي دخلت الكهرباء الى العراق، واستخدمنا المكائن الكهربائية الانكليزية باهظة الثمن في الخمسينيات، ثم دخلت مكائن صينية اسعارها اقل فاعتمدنا عليها، وغادرنا مرحلة العمل اليدوي المتعب، ومادة الزبيب كنا نشتريها من اقليم كردستان، من التاجر المشهور (علي جان) الذي يجهزنا بكميات تسد حاجتنا لعام كامل، وحاليا نشتري من السليمانية ونستورد الزبيب الأوزباكستاني رغم غلاء اسعاره، بسبب خلو الزبيب من النوى والاعواد ولنظافته وتغليفه بمادة (السليفون)، ولتطوير عملنا اكثر، لجأت الى المكننة الحديثة وهي من بناة افكاري عندما قررت رفع ثلاث امور من الشربت لتحويله الى شراب صحي، حيث استغنيت عن الثلج كونه يخفف من القيمة الطبيعية للعصير، ولا يعرف مصدر المياه المصنوع منها ملوثة ام من الاسالة، وطرحت الفكرة على متخصص ورسمت له ما اريد، فصنعت هذه المكائن التي تبرد الشربت دون وضع الثلج داخله، وتقوم المكائن باستخراج الشربت من الزبيب الجاف دون وضع السكر، حيث استعنت باحدى الشركات الاجنبية وصنعتها لي وكان فيها خلل يعطب الماطور وقمت بتطويرها، وتخلصت من عمليات ترشيحه بقماش الصوف الذي لابد ان يتخمر بداخله العصير، واصبح العصير صحي طبيعي بالكامل".
من هو "زبالة"؟
ويكمل الحاج محـمد زبالة كلامه بالقول " فيما يخص اسم المحل فإن جدتي كانت تلد ذكورا فقط لكنهم يموتون بعد سنوات قليلة بحوادث متفرقة، حتى توفى لها سبع اولاد، وعندما ولدت ابي سموه (عبد الغفور) وهذا اسمه في سجلات الاحوال المدنية وجميع الوثائق الرسمية، لكنها طلقت عليه اسم "زبالة" خشية الحسد، فلصق به الاسم واصبح علامة تجارية وتاريخية فارقة في العراق، ومحلنا تناوب على العمل فيه ثلاث اجيال جدي وابي وانا وابنائي ومع العمل تميزوا بالدراسة وتخرجوا من الكليات ليصبحوا اطباء ومهندسين، والمحل يعتبر جزء من تاريخ بغداد حيث عملنا في زمن الاحتلال العثماني وشارع الرشيد كان يسمى (جادة خليل باشا)، وقصده جنود الاحتلال الانكليزي ليتناولوا الشربت، وحاليا زبائني من جميع محافظات العراق ومن العراقيين المغتربين في مختلف قارات العالم، ".
قاسم الحلفي ــ بغداد
أقرأ ايضاً
- نذر نفسه لمساعدة الناس: ام " الشهيد احمد" ..ولدي توسل بالحسين لنيل الشهادة ممزقا فكان له ما اراد
- يجريها فريق طبي عالمي مكون من (24) متخصص.. قلب الطفل "ايمن" من كركوك يعالج في مستشفى زين العابدين الجراحي
- لرعاية النازحين :العتبة الحسينية تفتتح مركز رعاية صحية في مستوصف الرسول الاكرم في لبنان(فيديو)