ردت القوات الأمريكية في العراق، بعنف، على الضربات التي استهدفت قواعدها في أربيل الاثنين الماضي، بعدما استهدفت مقار للحشد الشعبي في مناطق مأهولة ببابل وواسط امس الاول الثلاثاء.
وتدخل الحرب بين الفصائل المسلحة العراقية والقوات الأمريكية في البلاد، مرحلة جديدة، وصفت بأنها إعلان بتحويل العراق لأرض اشتباك تنخرط في إشعالها إسرائيل أيضا، وفيما يؤكد مراقب للشأن السياسي أن الحكومة العراقية هي الحلقة الأضعف بهذه الحرب، حذر خبير أمني من تواجد الفصائل المسلحة داخل المدن، في وقت تحدث مقرب من الفصائل المسلحة وخبير قانوني عن عدم قانونية الضربة الأمريكية.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "تطور الأحداث بين الفصائل وأمريكا كان متوقعا، وما حدث أمس يمكن أن يعد إعلاناً رسمياً بتحويل العراق إلى أرض اشتباك مفتوحة، ليس فقط بين الفصائل والقوات الأمريكية بالهجوم والرد المقابل، وإنما هناك إشارات إلى انخراط إسرائيلي في استهداف الفصائل العراقية المسلحة".
الرد العنيف!
ويجد الشمري، أن "هذا التطور يلهب الأرض العراقية بشكل كبير جدا، فسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة هو حماية إسرائيل وتقويض ما يمكن أن يهز الصورة الأمريكية"، لافتا إلى أن "مرحلة الرد العنيف بدأت، وهي مرحلة جديدة في العلاقة بين واشنطن والفصائل المسلحة".
ويتوقع الشمري أن "حكومة السوداني غير قادرة على كبح جماح الفصائل ولا إقناع الولايات المتحدة بوقف استهدافاتها لفصائل الحشد الشعبي، وهي الحلقة الأضعف في هذا الصراع الذي بدا وكأنه تحدٍ بين الطرفين".
ويخلص رئيس مركز التفكير السياسي، إلى أن "السوداني، من الصعب أن ينحاز لأي من هذه الأطراف، فالفصائل المسلحة هي الركيزة الأساسية لحكومته، وبالتالي سيكون مضطرا إلى عدم اتخاذ موقف يتسبب بتداعيات على المستوى الداخلي ضد الفصائل أو الخارجي ضد القوات الأمريكية".
وصحا أهالي بابل، في الساعة الرابعة والنصف صباحا، أمس الاول الثلاثاء، على دويّ الصواريخ الأمريكية، التي استهدفت مقرا للحشد الشعبي في حي الجزائر بالحلة، مركز محافظة بابل.
وبحسب المعلومات الواردة، فإن المقر كان قد أشرف الأمريكان على تشييده إبان تواجدهم في المحافظة، وهم على دراية بمكامنه وزواياه، وأكدت المعلومات استشهاد منتسب في الحشد الشعبي وإصابة 21 آخرين، ثمانية من كتائب حزب الله، وثمانية آخرون من طلاب أكاديمية الشرطة الذين يخضعون لدورة تدريبية بالقرب من الموقع، ومنتسبين اثنين من دورية لنجدة بابل، ومنتسب في الدفاع المدني، وامرأتان من الأهالي كانتا بقرب الموقع.
وأكدت المعلومات أن الضربة استهدفت موقع تجميع للطائرات المسيرة مخفيا داخل معمل الأوكسجين الطبي التابع لهيئة الحشد الشعبي في بابل، كما استهدفت ضربة أخرى متزامنة مقر حزب الله لواء 45 في ناحية جرف النصر شمالي بابل لكنها لم تؤد إلى خسائر بشرية، حيث جرى استهداف مخزن أسلحة.
وطال قصف أمريكي آخر، معسكراً لحركة النجباء في منطقة الفتح المبين بناحية تاج الدين شمالي واسط، ويعتقد أنه نفذ بطائرة مسيرة، حيث سمع دوي 3 انفجارات تبعها إطلاق نار كثيف، في اليوم نفسه.
تهديد الأمن
من جهته، يحذر الخبير الأمني علاء النشوع، من "احتماء الفصائل المسلحة بالمناطق السكنية ومراكز المدن، وإنشاء مخازن لأسلحتها هناك، بشكل يهدد الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي، ويولد خسائر بشرية ومادية بالإضافة إلى خلق الهلع والخوف في وسط المدنيين".
ويجد النشوع أن "التواجد العسكري داخل المدن يولد ضغطا كبيرا على الشارع، لاسيما أن شروط الأمان في تخزين الأسلحة غير موجودة، وأن هناك أسلحة خطرة جدا كالصواريخ البالستية والقنابل الذكية التي تحملها الطائرات المسيرة والتي حصلت عليها الفصائل المسلحة من إيران في الفترة من عام 2016 حتى الآن"، ويشدد على "ضرورة أن تتحمّل الحكومة العراقية مسؤوليتها القانونية والدستورية في حماية المدنيين".
وأفادت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، امس الاول الثلاثاء، بأن الجيش الأميركي نفذ "ضربات انتقامية"، الاثنين الماضي، في العراق بعد هجوم شنه في وقت سابق من اليوم نفسه مسلحون وأسفر عن إصابة 3 جنود أميركيين، أحدهم في حالة حرجة، فيما أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أن القوات المسلحة الأميركية شنّت ضربات ضرورية ومتكافئة على 3 منشآت في العراق تستخدمها كتائب حزب الله وجماعات تابعة لها.
غير مرحب بها!
في المقابل، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة كاظم الحاج، أن "الأهداف التي انتُقيت الثلاثاء تنم عن عدم رغبة الولايات المتحدة بإرسال رسائل إيجابية عن وجودها في العراق، لاسيما أنها تستهدف القوات الأمنية بمختلف صنوفها والأبرياء".
ويضيف الحاج، أن "الجرحى في هذه الحوادث هم منتسبون من الحشد الشعبي وطلاب من أكاديمية الشرطة، ورجال الدفاع المدني فضلا عن مواطنين مدنيين"، لافتا إلى أن "أمريكا هي وجه آخر للكيان الإسرائيلي، وما تقوم به إسرائيل في غزة، تقوم به أمريكا في العراق".
ويشير إلى أن "الحكومة مطالبة بأن تحدد موقفها مما تقوم به القوات الأمريكية، وما تصرح به السفيرة الأمريكية من تصريحات مستفزة للشعب العراقي"، مؤكدا أن "على الحكومة أن تتبع الآليات القانونية المنصوص عليها في اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وتقديم طلب للحكومة الأمريكية بسحب قواتها من العراق، باعتبارها قوات غير مرحب بها، وأن التهديد الذي وجدت على أساسه في العراق وهو محاربة داعش أصبح غير موجود، وبالتالي تتخلص الحكومة من أي إحراج".
وكانت السفيرة الأمريكية لدى بغداد إلينا رومانوسكي، عدت أمس الاول الثلاثاء، الهجمات الموجهة ضد القوات الأجنبية هي هجمات ضد العراق، ووصفت منفذيها بالإرهابيين، فيما نددت الحكومة، بالقصف الجوي الأمريكي الذي استهدف مقرات لفصائل منضوية تحت مظلة الحشد الشعبي، وذلك ردا على الهجوم الذي استهدف قاعدة عسكرية في مدينة أربيل الذي أدى إلى وقوع إصابات بين صفوف الجيش الأمريكي.
يذكر أن الناطق باسم القائد العام، اللواء يحيى رسول، أكد يوم الاثنين الماضي، أن طائرة مسيرة مفخخة استهدفت بالقرب من مطار أربيل المدني وأدت إلى وقوع إصابات وجرحى وتعطيل عمل المطار، والتأثير على توقيتات الرحلات المدنية، وهكذا أعمال إجرامية هدفها الإضرار بمصالح العراق وعلاقاته وارتباطاته الإقليمية والدولية، مشددا على: ندين هذا العمل الإرهابي ونؤكد أنّ القوات الأمنية العراقية المسنودة بالجهد الاستخباري ستصل إلى الفاعلين لتقديمهم إلى العدالة.
ومن جهته، يعدّ الخبير القانوني عدنان الشريفي، الضربات الأمريكية "خرقا كبيرا للسيادة العراقية والقانون الدولي، فلا شيء قانونيا يبيح لأي دولة التصرف العسكري ضد دولة بوجود حكومة معترف بها وتمتلك سفارة لديها، وهذا الأمر يفرض الالتزام الكامل بالمواثيق والقوانين الدولية".
ويضيف الشريفي، أن "الهجوم الأمريكي على مقرات الحشد الشعبي غير مبرر قانونيا، حتى وإن كانت هناك هجمات قد حصلت ضد المصالح الأمريكية، فقد كان بإمكان الولايات المتحدة أن تتصرف دبلوماسيا والطلب من الحكومة العراقية وتسلمها مذكرة احتجاج أو سحب هذه القوات".
ويتابع أن "القوات الأمريكية إذا كانت متواجدة لضمان مصلحة الدولة العراقية أو باتفاق معها، فبإمكانها الانسحاب منها لأن الدولة العراقية لم توفر لها الحماية، لكن يبدو أن تواجد القوات الأمريكية يخضع لمصالح الولايات المتحدة فقط".
ويشير الشريفي إلى أن "اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق وأمريكا إذا كانت تبرر وتمنح الوجود الأمريكي شرعيته، فهذه الاتفاقية لا تخول أمريكا بالرد على أي استهداف أو ضرب أي مقر وجهة مسلحة في العراق".
ويؤكد الخبير القانوني، إمكانية "أن تقاضي الحكومة العراقية نظيرتها الأمريكية"، لكنه يؤكد أن "الكثير من الملفات القانونية يهملها العراق وإن كانت لصالحه، أو هو مضطر لذلك لأن الولايات المتحدة تمتلك أدوات الخنق الاقتصادي والتأثير الدولي وزعزعة أوراق الأمن الداخلي، فالحكومة العراقية مكبلة بالرغم من أن القوانين الدولية كلها إلى جانبها".
يشار إلى أن الفصائل المسلحة ومنذ منتصف تشرين الأول الماضي، بدأت باستهداف القواعد الأمريكية في العراق، وذلك بالتزامن مع حرب غزة، حيث أعلنت الفصائل أن استهدافها للقوات الأمريكية، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وتلقى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في الثالث من الشهر الحالي، اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وفيه أكد السوداني على التزام العراق بحماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين، مشددا على قدرة القوات الأمنية العراقية على القيام بواجباتها في ملاحقة منفذي الهجمات على البعثات الدبلوماسية، من دون تدخل أية جهة خارجية.
جدير بالذكر، أنه جرى استهداف السفارة الأمريكية بـ10 قذائف هاون، 8 منها استهدفت مقر جهاز الأمن الوطني، في 8 كانون الأول الحالي، فيما سقطت قذيفتان عند مقتربات محيط السفارة الأمريكية، بسبب الإحداثيات الخاطئة، ولاحقا أعلنت الحكومة القبض على المنفذين لهذه العملية، وأكدت ارتباط بعضهم بجهاز أمني عراقي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- وسط دمار مدينة النبطية :مساعدات العتبة الحسينية الطبية والغذائية تصل مستشفى نبيه بري الحكومي(فيديو)
- "فسطاط" تحدده المصادر التاريخية.. اين تقع خيمة حرب الامام الحسين في معركة الطف؟
- بـ"120" مليار دينار.. زيادة جديدة برواتب اقليم كردستان وبغداد ترفع "الكارت الأحمر"