بقلم:حيدر عاشور
أيام قليلة وينتهي عام 2023م ليبدأ بعده عام 2024م تمر شهوره وأسابيعه وأيامه على حياتنا، حاملة للبعض منا الجديد والمفيد من التجارب، وللبعض الاخر العادي والروتيني فيكون مرورها مرور الكرام.. فالجديد مثل القديم والآتي مثل الماضي، والقادم مثل الغابر، وكأن الانسان هذا العصر قد اصبح شبيهاً بالآلة التي فرضت نفسها على كل شؤونه الحياتية. ولكن لابد في لحظة وداع عام واستقبال اخر وفي لحظة انسياب عام من اعمارنا من العودة الى الذات لمراجعة النفس وتدقيق الحساب للنظر وبتمعن ودقة وامانة وصدق فيما استفدنا وافدنا، وفيما اخذنا واعطينا، وفيما ربحنا وخسرنا، وفيما تقدمنا وتأخرنا كي نعدل في الايام الاتية كفتي الميزان، ونعمل على جعل انسانيتنا تسمو على سواها، وتتجاوز ترسبات الغرائز التي تحاول في مسيرة البحث عن المصالح والركض وراء لقمة العيش ان تطفو على السطح لتتحكم في سلوكها وتفكيرها وعلاقاتها مع الاخرين. يعجز الانسان احيانا عن ايجاد تفسير ملائم لها او وصف محدد لكنهها.. فهي تحمل في ثناياتها معاني متناقضة تتباين بين الأمل واليأس، بين العزم والقنوط، بين الزهو والخجل. وفي اللحظات الفاصلة بين بداية ونهاية كل عام تهب هذه المشاعر بشدة حاملة معها مرارة وحلاوة ذكريات الايام الماضية وما تحمله الايام المقبلة من امال تتضح معالمها عند البعض لكنها عند اخرين تكون مغلقة بضباب كثيف من الصعب اختراقه. فما مضى من الزمان اخذ معه أحلاماً تحققت وكوابيس أحالت الدنيا الى درب وعر نمت فيه اشواك ادمت الاقدام ونيران الهبت القلب والوجدان.. وكما تتباين الوان الناس ومذاهبهم تختلف افكارهم ومسالكهم فنوع من الناس يأبى ان يأخذ من الماضي خبرة وعظة ويدع الاقدار تحركه كما تشاء وهو في ذلك مثل أي ريشة تقاذفها الرياح.. ونوع اخر يأبى الا ان تكون كل لحظة من لحظات حياته درساً جديداً يضيف إليه المزيد من المعرفة والادراك فيكون ماضيه ركيزة ثابتة لحاضره.. ولمستقبل أيامه نبراساً ودليلاً، ومع اطلالة العام الجديد علينا التوقف مع النفس قليلاً بشيء من التأمل والتفحص حتى نتبين بوضوح مواطئ اقدامنا.. فلا تكون المرحلة الجديدة مجرد امتداد عشوائي لما مضى فنبدأ عامنا الجديد بخطى اكثر ثباتا يحركنا الامل وينير الايمان دروبنا ولا ندعو في البداية عام 2024م ان نصبح من جنس الملائكة انما ندعو الى تخفيف النزعة الشيطانية التي اخذت تتحول الى قناع ملتصق بوجوده الاكثرية من الشباب وغيرهم من البشر الذين استبدلوا القناعة بالطمع والرضا بالجشع، والصدق بالنفاق، والاستقامة بالمداهنة حتى بات انسان اواخر هذا الزمان مسلوب الارادة امام الحيوان الكامن في نفسه الذي يحاول الانقضاض على الاخر لافتراسه. والخلاص لا يكون الا بالعودة الى مناهل الايمان العذبة وينابيع الصفاء الخالصة الكامنة في انفسنا والتي لا يحتاج اكتشافها وتفجيرها الا للحظة صدق .. فهل نعثر عليها في عام 2024م.