بقلم: علي حسين
منذ صدور كتاب "العالم إرادة وتمثُّل" لأرثر شوبنهور قبل أكثر من مئة وخمسين عاماً، وموضوعة التشاؤم والتفاؤل تشغل بال الأدباء والفلاسفة. ظلّ شوبنهور يقول للجميع إنّ "الحياة ليست محلاً للكلام عن الفرح والسعادة، بل مكان للإنجاز، فالكلام مجرّد وهم نسمعه كل يوم، أما الإنجاز فهو الذي سيبقى في ذاكرة الناس".
فيما يصر الروماني إميل سيوران أن الطريق أمامنا مسدود، وبالمناسبة السيد سيوران توفي قبل أن تمتهن السيدة عالية نصيف السياسة بعشرين عاماً وتتحول حياة العراقيين إلى مصيبة أبطالها هيثم السامرائي وصالح المطلك وحنان الفتلاوي، وبالتأكيد لن ننسى نجم البرلمان السابق محمود الحسن وبالاذن طبعا من العلامة ابراهيم الجعفري.
سيقول البعض؛ يارجل مالكَ تقلِّب بدفاتر المتشائمين وتريد أن تتفوّق على ابن الرومي في تشاؤمه، وسيحاول البعض أن يدقّ على الخشب، فبالتأكيد أنا كاتب لا أرى حجم ما تحقق من إنجازات في مجال التعليم والصحة والكهرباء والاستثمار والاقتصاد والسياسة، ولهذا ينطبق عليّ ما يقوله عدد من النواب من أنّ المتشائمين "من أمثالي" لا يريدون لحركة الإعمار والاستثمار أن تستمرّ وتزدهر.
إذن دقّوا على الخشب والحديد والنحاس، واتركوني مع أطروحة أحد النواب وهو يخبر العراقيين أن لا بديل عن محمد الحلبوسي، إلا محمد الحلبوسي نفسه، وأطروحة السيد النائب تختلف عن أطروحة أستاذنا الراحل علي الشوك الذي فاجأ العراقيين في منتصف السبعينيات بكتاب غريب الشكل والموضوع، لكنه غني المحتوى بكل ما هو جديد من معارف العلوم والفنون والأدب، أما أطروحة "يعيش يعيش" محمد الحلبوسي، فهي أطروحة عجيبة وغريبة تكشف لنا مثلما أخبرنا ميكيافيللي قبل خمسمائة عام أنّ السياسة مصالح يجب أن تغلف بشيء من الانتهازية.
لقد سمعنا في الأيام الأخيرة خطباً وهتافات وندوات عن الدولة المدنية والقوائم العابرة للطوائف ومحاربة الفساد، وبتحليل هذه الخطب سنتأكد أنّ بناء البلدان ليس في الكلمات وإنما في الإنجاز، كما يتأكد لنا أنّ المصدر الوحيد لسعادة الناس في كل زمان ومكان هو الإنجاز الذي تقدمه الدولة للمواطن، وليس بيانات اليونسيف التي أخبرتنا أنّ في العراق مليوناً ونصف طفل نازح، وأن هناك أربعة ملايين طفل يحتاجون إلى مدّ يد العون لهم .
لقد حدّثتكم عن التشاؤم ترى.. ما الذي دعاني لذلك؟ انظروا منذ متى ونحن نتحدث عن هبوط الدولار وارتفاع الدينار، وأخبرتنا الحكومة مشكورة بأن نبتعد عن العملة الأمريكية لأنها في طريقها إلى الخسران، والمصيبة أن الناس لا تزال عاجزة أمام حزورة مزاد العملة الذي يبيع في الأسبوع الواحد أكثر من مليار دولار، تذهب أرباحها إلى جيوب الحيتان.