بقلم: علي حسين
ما أن ننتهي من قراءة رواية جميلة ومؤثرة، حتى نتساءل من أين استمدّ الكاتب موضوعه؟ لسنوات كنت أعتقد أن الروائي الايطالي الشهير ألبرتو مورافيا كاتب مهتم بالنساء وعلاقاتهن، وان ما يكتبه مجرد حكايات عن العشق والجريمة ظل ينفخ فيها بأسلوبه ومخيلته.
الآن اكتشفتُ وأنا أعيد قراءة كتب الإيطالي العجوز الذي عاش أكثر من 80 عاماً وكتب أكثر من 40 كتاباً، أن صاحب الاحتقار وحكايات من روما والسأم والانتباه كان يدرك أن "الخراب ينشأ في العالم عن الجهل واللامبالاة والافتقار إلى الفهم الذي يتوهم أصحابه بأنهم يعرفون كل شيء، ومن ثم يدّعون لأنفسهم الحق في خداع الآخرين".
أرجو من جنابك ألاّ تسخر من سذاجتي وتقول "يا رجل" قمت ترطن بالطلياني بعد أن حقق رئيس جمهوريتنا أقوى وأمتن العلاقات مع إيطاليا بدليل أنه قام بزيارة روما مرتين خلال أربعة شهور بالتمام والكمال، زيارته الاولى حققت نجاحا كاسحا بدليل انه تجول في قصر مونتيكيتوريو، بعدها تمشى في قصر كويريناله ثم توجه إلى قصر الأكورسيو.
مشكلتنا ياعزيزي القارئ أنّ راحة المسؤول وسعادته ومصروفات ايفاداته والحاشية التي ينقلها معه، أهمّ عندنا من مشاكل المواطن وهمومه، في حين أنّ إيطاليا التي يذهب إليها رئيس الجمهورية بين شهر وآخر، كانت قد منعت سياسيّاً من عيّنة سيلفيو بيرلسكوني من الوصول إلى كرسيّ رئاسة الوزراء، بل إنها حكمت عليه بعقوبة "الخدمة الاجتماعية" في إحدى دور رعاية المسنّين على خلفيّة الحكم الذي صدر بسجنه بتهمة التهرّب الضريبي، أما في هذا البلد المشاع، فيمكن أن يعين النائب السابق مستشاراً، وأن يظل جالساً على الكرسي طوال العمر، ما دام هذا الكرسي يجلب الكثير من الأموال.
كنّا جميعاً، أنتم وجنابي نحلم أن يكون العراق بعد عام 2003 بلاداً للرفاهية والعدالة والقانون، وأن يخرجنا قادةُ العراق الجدد من عصور الخوف. لكنّ الذي حدث كان خارج الأحلام. اختُطف التغيير من قبل أحزاب سعت إلى أن تفصِّل الحكم على مقاسها الخاص، وأصبحت العدالة الاجتماعية، والتسامح والعيش المشترك مؤامرة ماسونيّة. ولم تعد هناك حدود للموت والقتل والخراب. وتحقّق شيء واحد: "دولة الفرهود".
في كل يوم يكتشف المواطن العراقي أنه على حافة المجهول. والمجهول في كل مرة مؤلم، لأنه يتعلق بمستقبل الملايين من الناس الذين لا تعنيهم زيارات رئيس الجمهورية المكوكية الى ايطاليا ، ولا ابتسامة محمد الحلبوسي وهو يتجول في شوارع صربيا، ما دام الخراب يخيم على مؤسسات الدولة.
كان ألبرتو مورافيا يقول؛ لا يمكن أن تكون هناك إيطاليا إلا إذا اعترف السياسيون أن هناك دولة إيطالية قبل أن يكون هناك سياسيون، مشكلتنا أن السياسيين يعتقدون أنهم وُلدوا قبل الدولة والوطن والمواطن.