بدأ الرادود حسين التريري حياته مولعا بحب الحسين (عليه السلام) ووهبه الله صوتا فريدا من نوعه، فعلم نفسه القراءة الحسينية وتدرج بمنابرها حتى وصل الى قراءة قصائد خالدة مثل قصيدة (سورة التوحيد تحرير العقول ..ثورة إنسانية فجرها الرسول) للشاعر مهدي الاموي، وكذلك قصيدة (يا شهابا نازفا نورا وآية) للشاعر محـمد زمان، وكان عصاميا ومجتهدا ولم يتدرب على يد رادود او شاعر، ودرب نفسه بنفسه، وكان يردد تلك القصائد والأوزان في جميع الاوقات، وكان صوته شبيها بشكل لا يصدق بصوت الرادود حمزة الزغير، حتى كني بحسين الزغير، فكان هذا الامر هو من دق ناقوس الخطر عليه، وما ان رحل حمزة حتى تصدى للقراءة على المنابر فاستدرجته السلطة الغاشمة وغيبته واعدمته، ومن اخيه الاكبر نتعرف على حياته من الصبا الى الاعدام وما بينهما.
الاصل والولادة
يسرد عبد الامير احمد علوان التريري الخفاجي الذي يبلغ من العمر (78) عاما الاخ الاكبر للرادود حسين التريري قصة اخيه في حديثه لوكالة نون الخبرية ويقول " نحن من سكنة كربلاء في منطقة باب بغداد، سكنا فيه قبل العام (1957) وهناك نهر من ضمن الانهار الاربعة في منطقة الحسينية مسمى بإسم عائلتنا (نهر التريري)، حيث حفرته عائلتنا ويسقي حوالي مئة بستان، وكان اخي الاصغر الشهيد الرادود عبد الحسين احمد المشهور باسم (حسين التريري) من مواليد (1957) واعتقد هو ليس تاريخ ولادته المضبوط بل ان عمره اكبر من ذلك، وكنا نسكن في بستان الامن وانتظم بالدراسة في مدرسة الهاشمية، ومنها الى متوسطة كربلاء وبعدها في الاعدادية، واكمل الكلية في الجامعة المستنصرية بعد رفض السلطات التحاقه بالجامعة في بداية الامر بحجة انه رادود وعليه مؤشر امني".
اولى خطواته
كان لصحبته للمرحوم الشيخ صالح ابن الشيخ هادي الكربلائي تأثيرا كبيرا على وضع اولى خطواته في طريق القراءة الحسينية، هكذا يصف عبد الامير بدايات اخيه الرادود حسين التريري ويضيف" وكان يدعمه ويشجعه ويأخذه معه الى البصرة ليحيوا ذكر الحسين (عليه السلام)، في مجالسها الحسينية لمدة عشرة ايام، وبعدها عندما عرف بصوته الجميل وحضوره، دعمه الشاعر سعيد الهر وساعده في البروز على المنابر ومن بعده تعاون معه الشاعر عزيز الكلكاوي، ولشدة الشبه الكبير بين صوته وصوت الرادود المعروف حمزة الزغير، نصحه الكلكاوي بعدم تقليد الزغير لانه لا يقبل بذلك، فاخبره بأني لا اقلده وهذه هي طبقة صوتي، ولم تكن له علاقة او معرفة او تعاون مع حمزة الزغير، ومنها لقب بحسين الزغير وهو ما اثار حفيظة الاجهزة الامنية في النظام المباد التي كانت تريد التخلص من حمزة الزغير، فظهر لها حسين التريري، واول صعود على المنبر له، كان في موكب من خارج المحافظة جاء الى كربلاء المقدسة ولم يكن لديه رادود، فصعد المنبر حسين التريري واخذ القصائد من الشاعر سعيد الهر الذي كان متواجدا معه، وبعدها بدأ القراءة في عزاء بغداد لسنوات وعزاء في منطقة الفسحة وكان اصحاب الموكب عباس وحسين فشلان، وكان يقرأ لمدة عشر سنوات وكانت قراءته للقصائد تستمر لساعات طوال، ثم قرأ في كثير من المواكب".
حضور وشهادة
ويتابع الاخ الاكبر للتريري "حضرت الكثير من مجالس العزاء التي كان يقرأ بها اخي حسين التريري واخرها القصيدة المشهورة (سورة التوحيد) التي نظمها الشاعر مهدي الاموي، وكذلك قرأ للشاعر عبد علي خاجي، وسرد لي الشاعر مهدي الخياط ان مجموعة من الشعراء يصل عددهم الى (12) شاعرا اجتمعوا لاختبار التريري واعطوه قصيدة وطلبوا منه قراءتها لتحديد مواطن الضعف او الخطأ في قراءته، وبعد ان انتهى كانت النتيجة انه رادود بمعنى الكلمة، وكان يقرأ القصائد الحسينية في العراق، ولكن عندما ذهب ليقيم في الكويت بعد المضايقات التي تعرض لها قرأ في مجالس حسينية بدولة الكويت في حسينية الرسول الاعظم، ولم يكن يبحث عن الشهرة بل كان يذوب في العشق الحسيني"، وكان محبوب من الجميع وكريم النفس ونقي السريرة وكان من اصدقائه المقربين محـمد اسماعيل، وصالح ابن الشيخ هادي الكربلائي، وعبد علي الخاجي ومهدي الاموي وعزيز الكلكاوي وسعيد الهر، وآخرون" .
الاعتقال والتغييب
وعن حادثة اعتقاله ومن بعدها تغييبه واعدامه يتحدث اخيه عن اسلوب المخابرات في استدراجه ويبين" انه كان يقيم في الكويت ارسلوا له من يخبره بان والدته مريضة وبحالة حرجة وكانوا قد هيأوا سيارة اجرة تعيده، وجاء الى العراق وعاتبته كثيرا على مجيئه كونه مطلوب من الاجهزة الامنية الغاشمة، وقلت له لم يحصل شيء لوالدتنا، وبعدها بثلاثة ايام جاءني ليخبرني انه يريد العودة الى الكويت وبنفس اليوم اعتقل بشكل سري دون معرفتنا، وكل ما عرفناه من شخص اسمه علي شاهد احد ضباط الامن الكبار كان يمسك بيد حسين التريري ويتمشى معه قرب ضريح ابي الفضل العباس (عليه السلام) لفترة وبعدها اختفى، وعلمت انه اعتقل، وتوسطنا عند احد الضباط وكان صهر احد معارفنا فاخبرونا بان نتخلص من اي شيء مكتوب مثل الكتب او الرسائل، ونصحنا بالرحيل وتغيير السكن، وبالفعل بعنا دارنا وانتقلنا تقريبا خمس مرات في مناطق الملحق قرب الحمام ومنها الى العباسية الغربية وبعدها الى الحي العسكري ثم الى العطيشي واخرها في البهادلية وكنا منغلقين على انفسنا ولا نحتك بالجيران، خشية معرفة امرنا وهروبا من مطاردة الامن لنا، ولفقت لي تهمة اختلاس واعتقلت لمدة ثلاثة اشهر ولم تثبت علي التهمة واخرجت من المعتقل".
الاعدام والشهادة
في العام (1984) جمع عبد الامير الذي كان حينها جنديا احتياطا في الجيش العراقي ابان الحرب العراقية الايرانية كل قواه وشجاعته وقرر ان يعرف مصير اخاه الرادود حسين التريري، فذهب الى دائرة الامن التي كان مقرها في دائرة الجنسية الحالية، في منطقة كانت تسمى خان الشرطة وخان الخيل، ودخل على مدير الامن وكان اسمه (عبد الحسين) من اهالي المشخاب، وكان يلعب بمسدس بيده بطريقة الاستفزاز والانتقاص، فتكلم معه بحسرة وقال (لو دامت لغيرك ما وصلتلك) فغضب وجلس قربه وقال ما تريد، فاخبره انه يريد ان يعرف مصير اخيه الرادود حسين التريري هل هو حي ام ميت؟ متهم ام مدان؟ فنادى على منتسب يعمل معه، فاخبره انه (اعدم) لانتمائه الى حزب معادي للحزب والثورة، ولم يتسلم شهادة وفاته او اي وثيقة تثبت اعدامه كما لم يتسلم جثته او يقوم بتغسيله او تشييعه او دفنه الى يومنا هذا".
تيسير الاسدي ــ قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير فوتوغرافي ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي