لم يكن أبو مصطفى (47 عاما) يملك مبلغا كبيرا من المال، يسمح له بشراء قطعة أرض سكنية بسند ملكية (طابو)، لكن المبلغ الذي يملكه، وحسب مشورة أحد أصدقائه يكفيه لشراء قطعة أرض زراعية، وهو ما حصل بالفعل، وتملك الرجل الأربعيني قطعة الأرض هذه غربي العاصمة بغداد.
"عند بحثي عن قطعة أرض زراعية لغرض بناء منزل عليها، وجدت الكثير منها وفي أغلب مناطق بغداد، ورغم أننا نعرف أن هذا البناء مخالف للقانون ويحق للحكومة إزالته، لأن جنس الأرض مخصص للزراعة وليس للسكن، لكن هذا الأمر أصبح من الماضي، وغالبية الأراضي الزراعية التي كانت بساتين ومزارع تحولت إلى مناطق سكنية، وبات واقع حال"، هكذا يختصر أبو مصطفى حديثه حول توجهه لشراء قطعة أرض زراعية.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ترأس يوم الخميس الماضي، اجتماعاً للّجنة العليا للاستثمار والإعمار هو الأول منذ إعادة تفعيل اللجنة، وفيه جرى إقرار إعلان الفرص الاستثمارية للمدن السكنية الجديدة التي اشتملت على المشاريع التالية: مدينة الجواهري الجديدة غربي محافظة بغداد/ أبو غريب، مدينة ضفاف كربلاء الجديدة في محافظة كربلاء، مدينة الفلوجة الجديدة في محافظة الأنبار، مدينة الجنائن الجديدة في محافظة بابل، مدينة الغزلاني الجديدة في محافظة نينوى.
ويتابع أبو مصطفى، أن "ما شجعني على الخطوة، هو القرار الأخير الذي صدر من الحكومة، والذي حول القطع الزراعية إلى سكنية، بالتالي الحكومة أصبحت أمام أمر واقع وهو صعوبة إزالة هذه المنازل لكونها مخالفة، لذا أشتريت هذه القطعة في حي العدل ببغداد وشرعت بالبناء، على أمل صدور قرار جديد مستقبلا، لأن القرار الحالي لا يشمل عمليات البناء الجديدة".
لكن الرجل الأربعيني، واجه عقبة خلال عملية البناء، إلا أنه تجاوزها بتقديم مبلغ مالي كرشوة لعناصر من القوات الأمنية: "مشكلة البناء في الأراضي الزراعية، تواجهه صعوبة، وهي مع النقاط الأمنية الموجودة بمدخل المناطق الزراعية، حيث أن الغرض من هذه النقاط منع دخول العجلات التي تحمل مواد البناء مثل الطابوق والسمنت وغيرها، وذلك تطبيقا للقانون، إلا أن هذا ليس بالأمر الصعب، فقد حل الأمر بدفع مبلغ 3 ملايين دينار (2000 دولار)، للنقطة المتواجدة في مدخل الطريق المؤدي لقطعة الأرض التي اشتريتها، مقابل السماح بمرور مواد البناء".
يشار إلى أنه بعد العام 2003، توجه العديد من المواطنين إلى استغلال أراضي الدولة لبناء منازل عليها باتت تعرف محليا باسم "الحواسم"، ما أدى إلى تكوين مناطق عشوائية، وبدأت تتطور هذه الظاهرة حتى شهدت بناء منازل فخمة، كما شهدت عمليات بيع وشراء بأسعار مرتفعة، لكنها أقل بكثير من أسعار العقارات الرسمية.
وخلال السنوات الماضية، برزت ظاهرة أخرى، وهي تحويل البساتين والمزارع إلى أراض سكنية، حيث أقدم أصحاب هذه المزارع على تقسيم أراضيهم لمساحات مختلفة وصغيرة، وعرضت للبيع، ومن ثم بدأت أسعارها ترتفع مؤخرا، بعد أن بدأت بأسعار بخسة.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قرر، بعد تسمنه منصبه مباشرة، توزيع 500 ألف قطعة أرض سكنية للمواطنين، كما قرر أيضا تحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، وخاصة الأراضي التي شيدت عليها مبانٍ وأصبحت بأمر الواقع مناطق سكنية.
وقرر مجلس الوزراء، مطلع آذار الماضي، تأليف فريق برئاسة وزير الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، وعضوية كل من وزير البيئة ورئيس هيئة المستشارين، ورئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وأمين بغداد، ومحافظ المحافظة المعنية، ورئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومدير عام دائرة التنمية الإقليمية في وزارة التخطيط، بهدف التخطيط والعمل والإشراف على تأسيس المدن الجديدة وإيجاد بيئة حيوية لإنجاحها.
وأضاف المجلس للفريق المكلف، مهمة وضع آليات وضوابط ومعايير لتوزيع الأراضي والاستثمار في هذه المدن، وتسهيل إجراءات منح الإجازات الاستثمارية وكذلك اقتراح نماذج التمويل، ورفع مستوى الخدمات الحكومية، وحوكمة كافة أشكال الإجراءات الخاصة بهذه المدن وتقديمها بالكفاءة المطلوبة.
إلى ذلك، يبين الباحث بالشأن الاقتصادي ملاذ الامين، أن "تصاعد عمليات البناء في الأراضي الزراعية، يعد طمسا لجنسها عبر تحويلها إلى سكنية، وهذا التوجه هذا جاء نتيجة للانفجار السكاني في أغلب المدن وخاصة بغداد، التي تعد أفضل من المحافظات الاخرى من ناحية الخدمات والوسائل الترفيهية والاجتماعية الاخرى مثل الجامعات وغيرها".
ويضيف الأمين، أن "وزارتي التخطيط والاعمار والاسكان لم تفرز لغاية الان مناطق سكنية جديدة، فقبل اكثر من 10 سنوات قيل بأنه سيتم التوجه نحو البناء العمودي والبحث على قطع أراض واسعة لبناء عاصمة جديدة بشكل حديث، لكن هذا التوجه كان مجرد فورات أعلامية".
ويشير إلى أن "تصاعد أعداد السكان في بغداد وزيادة إقبال المحافظات عليها، أدى لتوسع كبير، وهو الأمر الذي دفع المواطنين نحو الأراضي الزراعية التي تحيط ببغداد، على أمل ان توضع لها حلول مستقبلية"، منوها إلى أن "القرار الاخير للحكومة بخصوص تمليك الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية، زاد من تحفيز المواطنين على شراء هذه الأراضي على أمل ان تتخذ الحكومة قرارا جديدا في المستقبل".
يذكر أن الجهاز المركزي للإحصاء، أعلن مطلع العام الحالي، أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العاصمة بغداد خلال عام 2023، حوالي 9 ملايين نسمة، يعيشون بمساحة إجمالية تبلغ 4555 كم مربع، فيما بين أن الكثافة السكانية تبلغ نحو 2000 شخص لكل كم مربع واحد.
وتعد العاصمة، مركزا تجاريا وحكوميا وترفيهيا، وتضم أغلب هذه المرافق بكافة أنواعها، ما تدفع العديد من سكان المحافظات الأخرى إلى الانتقال لها لغرض العمل والسكن.
من جانبه، يرى صاحب مكتب العدل للعقار، أحمد النعيمي، أن "توجه المواطنين إلى شراء الأراضي الزراعية يعود لجملة اسباب، منها أسعار المناسبة مقارنة بالسكنية، ففي حي العدل ببغداد، يصل سعر قطعة الأرض 50 مترا السكنية ذات سند الملكية (الطابو) إلى نحو 200 مليون دينار، بينما يمكن شراء ذات المساحة كأرض زراعية بسعر 50 مليون دينار، وفي مناطق أخرى تكون بسعر أقل".
ويتابع أن "غالبية الأهالي ممن يمتلكون منازلا كبيرة و(طابو) قاموا ببيعها وتوجهوا نحو الأراضي الزراعية واشتروا اكثر من قطعة وقاموا ببنائها لجميع أفراد العالئلة"، مبينا أن "المناطق الزراعية أصبحت فيها خدمات بشكل جيد من حيث الكهرباء والمياه وتعبيد الطرق، وهو ما ساهم بجذب المواطنين لها بشكل أكبر، خاصة وأن هذه المناطق في السابق لم تكن تحظى بأي اهمية من ناحية الخدمات".
ويؤكد النعيمي، أن "العديد من المواطنين الذين لديهم امكانيات مادية عالية، اتجهوا للاستثمار في هذه الأراضي الزراعية، حيث أشتروا مساحات واسعة ومن ثم بدأوا ببيعها بسعر يضمن لهم ربحا جيدا".
يشار إلى أن العراق يعاني من أزمة سكن كبيرة، ووفقا للبيانات الحكومية فأن البلد يحتاج إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية لحل الأزمة، فضلا عن 150 ألف وحدة سكنية بشكل سنوي لمواكبة التزايد السكاني.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- إخفاقات "الطائر الأخضر".. هل يكفي "الإقرار بالذنب"؟
- كيف يواجه العراق فقدان 60 بالمئة من أراضيه الزراعية؟
- انعدام السياسة الإسكانية وغسيل الأموال يشعلان أسعار العقارات في بابل