على الرغم من أهميتها الحضارية والتاريخية محليا وعالميا، إلا أن العديد من المواقع الأثرية في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، تحولت إلى أهداف لجذب السراق بدلاً من السياح، وسط افتقارها للحماية الأمنية اللازمة.
مضى أكثر من 100 عام على أول تنقيب أثري في محافظة ذي قار (نحو 350 كلم إلى جنوب بغداد)، لكن أعمال التنقيب لم تحقق 1 في المائة من المكتشفات التي تحتضنها المحافظة حتى أنها وصفت بـ"متحف آثار العالم".
ويقول مدير مفتشية آثار ذي قار، شامل الرميض، إن "المواقع الموجودة في ذي قار والمعلنة بجريدة الوقائع الرسمية وتمتلك إحداثيات متكاملة هي 525 موقعاً، ومؤخراً حصل توجيه من قبل وزارة الثقافة والآثار بإجراء مسح جديد على بقية المواقع الأخرى لإكمال الإحداثيات المطلوبة، كي يتم الاعلان عنها أيضا".
وبدأت أولى أعمال التنقيب في مدينة أور الآثرية من قبل بعثة مشتركة بريطانية أمريكية في عام 1922، إذ أشرف عليها المنقب ليونارد وولي بريطاني الجنسية، وتبعها بعد ذلك أعمال تنقيب أخرى في عدد من المواقع حتى انقطعت عام 1984 نتيجة ظروف الحرب العراقية الإيرانية ولم تستأنف أعمال التنقيب حتى عام 2006، إذ باشرت بالأعمال بعثة تنقيبية ايطالية في موقع "ابو طبيرة" لتتسع رقعة فرق التنقيب إلا انها بقيت محدودة في المحافظة معتمدة على بعثات الجامعات الأجنبية التي تقوم بالتعاقد مع هيئة الآثار العراقية، إذ تتحمل هذه الجامعات نفقات سفر كوادرها والتنقيب وإجراء دراسة وأبحاث على هذه المواقع في مقابل ذلك تسلم القطع الآثرية المنقبة ونسخة من الدراسة والأبحاث الى الجانب العراقي.
ووفقا للرميض، فإن "أعمال التنقيب في هذه المواقع جميعها لم يصل حتى 1 في المائة، إذ يتم العمل حاليا في 8 مواقع أثرية فقط، وهي أور، أريدو، لارسا، جوخا، لكش، تل زرغل، تلو، وأبو طبيرة، وأن من بين العدد الكلي الذي تجاوز الـ1200 موقع أثري، يوجد 70 موقعا محميا بالحرس الأمني المدني والبالغة أعدادهم 145 حارسا فقط، وهذا يعني أن 6 في المائة من المواقع الأثرية محمية فقط".
وتعرضت العديد من تلك المواقع للنهب والسرقة خلال فترة الانفلات الأمني إبان دخول القوات الأمريكية إلى العراق عام 2003، وفي مقدمتها "تل جوخا" شمالي ذي قار، والتي تعد المدينة الاقتصادية للدولة السومرية.
ويبيّن الرميض، بأن "تل جوخا" تعرض للسرقة بشكل مفرط، إذ بلغت عدد الحفر التي قام بها اللصوص خلال الفترة الممتدة من عام 2003 وحتى 2005 إلى 2000 حفرة بأعماق تصل لمترين حتى اصبح المكان أشبه بالمركز التجاري، إذ يتواجد تجار الآثار في وضح النهار حتى تدخلت القوات الأمريكية في حينها عبر طائراتها الأباتشي وشكلت قوة أمنية لحمايته".
وتحتضن ذي قار، أكبر موقع على مستوى آثار الشرق الأوسط، وهي مدينة لكش، إذ تبلغ مساحتها الكلية 25 كيلومترا، وما تم التنقيب في هذه المدينة هو أقل من 5 في المائة، حسب تأكيد المتخصصين بالآثار.
فيما يجد الباحث الآثاري أمير دوشي، أن "الحكومة غير ملتفتة لحماية الآثار والاهتمام بها، فهي لا تعتمد الطرق والأساليب الحديثة، حيث تجد الحارس الأمني يمتلك سلاح الكلاشنكوف لحماية الموقع، في مقابل ذلك تجد اللصوص يستخدمون الطائرات المسيرة الصغيرة لاستطلاع المواقع والنواظير الليلية وغيرها".
ويعزو دوشي، سبب ذلك إلى "عدم استقرار الواقع الحكومي بشكل تام، كونه يعيش أزمات سياسية متتالية".
يذكر أن قانون العقوبات العراقي، وفي مواد عديدة، عاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 أعوام ولا تزيد عن 15 عاماً كل من سرق قطعة آثار أو مادة تراثية في حيازة السلطة الاثارية، وبتعويض مقداره 6 أضعاف القيمة المقدرة للأثر أو المادة التراثية في حالة عدم استردادها، وتكون العقوبة السجن المؤبد اذا كان مرتكب الجريمة من المكلفين بإدارة أو حفظ أو حراسة الآثار أو المادة التراثية المسروقة، وتكون العقوبة الإعدام إذا حصلت السرقة بالتهديد أو الإكراه أو من شخصين فأكثر، وكان أحدهم يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ، و يعاقب بالإعدام من أخرج عمداً من العراق مادة أثرية أو شرع في إخراجها.
ويلفت دوشي إلى "سبب آخر يهدد الآثار، وهو التغير المناخي، إذ تتعرض بعض المواقع للضرر من الكثبان الرملية، فضلا عن السكن العشوائي بالقرب من بعض المواقع، خصوصاً وأن سكنة الأرياف لا يعرفون القيمة الأثرية لتلك المواقع ومدى تأثير السكن بالقرب منه".
ويكشف أن "وصول بعثات التنقيب الأجنبية المختصة بآثار حضارة وادي الرافدين، يكشف أهمية تلك البقعة، في ظل انعدام أي اهتمام حكومي بها"، مستشهدا بقول لـ"العالم الآثاري الإيطالي ماسيمو: لا يعد المنقب آثاريا إذا لم ينقب في بلاد الرافدين".
وتشكل مساحة المواقع الأثرية أكثر من 28 في المائة من مساحة ذي قار الكلية، إذا ما تم القياس على أصغر موقع أثري مع محرماته بواقع 3 كيلو متر مربع، فهذا يعني أن أكثر من ربع مساحة المحافظة آثارية.
إلى ذلك، يبين المنقب الآثاري عامر الزبيدي، أن "الكشف عن آثار وكنوز جديدة يتطلب أعمالاً متواصلة تمتد لعشرات السنين، فأعمال التنقيب هي أعمال يدوية وليست حفريات كبيرة".
ويردف أن "آخر الاكتشافات الأثرية في السنوات الأربع الأخيرة، هي العثور على جسر عبور هو الأول في التاريخ بمدينة كرسو، وقد تم إنشاؤه عام 2400 قبل الميلاد تقريبا، ويبلغ طوله 12 متراً"، لافتا إلى أن من "الاكتشافات الجديدة هو مسجد يعود للعصر الأموي يتسع لـ25 مصلياً في مدينة كبيبة بقضاء الرفاعي شمال المحافظة".
ويعزو ازدياد الاهتمام مؤخرا بهذه البقعة، إلى "زيارة بابا الفاتيكان التاريخية لمدينة أور وإقامة الصلاة الابراهيمية، ما زاد من اهتمام العالم نحو ذي قار، وتحديداً بيت إبراهيم الخليل".
وإلى جانب السرقات والنبش العشوائي، فان الآثار العراقية تعرضت إلى التدمير والسرقة من قبل تنظيم داعش الارهابي، وخاصة آثار مدينة الموصل بمحافظة نينوى، خلال سيطرة التنظيم على المدينة عام 2014.
ومن أبرز الشركات المتهمة بشراء الآثار العراقية المسروقة، هي شركة هوبي لوبي الأمريكية، التي سعت إلى إبرام صفقة مع وزارة الثقافة العراقية بغية منحها حق التصرف بالاثار، وذلك بدلا من إعادتها للعراق.
يشار إلى أن العراق استرد مؤخرا الكثير من القطع الأثرية المهربة من الولايات المتحدة وبريطانيا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- لتقيهم برد الشتاء القارص العتبة الحسينية تجهز العائلات اللبنانية الوافدة في سوريا بملابس شتائية(صور)
- بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي من كربلاء.. العراق يصدر اول بطاقة زراعية الكترونية للمزارعين والمستثمرين
- تقصدها عوائلهم:مقبرة تجمع زوار الامام الحسين "الغرباء" ومن جنسيات غير عراقية في مكان واحد (فيديو)