لم تجرِ خطة دول أوبك، المتمثلة بخفض الإنتاج النفطي، كما كان مخططا لها، إذ تراجعت الأسعار بدلا من ارتفاعها، وباتت تهدد موازنة العراق التي تعاني أصلا من عجز كبير، ما دفع خبراء بالاقتصاد إلى توقع الإفلاس في حال استمرت أسعار النفط بالانخفاض، مؤكدين أن الحلول ستكون محدودة، وهي إما الاقتراض أو العودة لرفع سعر صرف الدولار.
وتقول الخبيرة المالية والاقتصادية، سلام سميسم، إن "استمرار انخفاض أسعار النفط في السوق العالمي، سيضع العراق بحرج اقتصادي ومالي كبير مع وجود الموازنة الإنفاقية الاستهلاكية، التي تعتمد فقط على النفط، مع غياب أي استثمار في الموازنة يعوض الانخفاض في أسعار النفط".
وتحذر سميسم، من أن "انخفاض النفط لأقل مما مذكور في قانون الموازنة، سيدفع الحكومة العراقية نحو الاقتراض الداخلي والخارجي من أجل سد العجز المالي، الذي سيحصل، وسد هذا العجز سيكون هدفه فقط توفير أموال الموازنة التشغيلية، التي هي عبارة فقط عن دفع رواتب للموظفين"، وفقاً للعالم الجديد.
وتضيف، أن "العراق ربما قد يذهب نحو الإفلاس بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما يؤدي إلى زيادة نسبة الديون الداخلية والخارجية، وزيادة هذه الديون سيكون لها تأثير خطير على قيمة الدينار العراقي".
يذكر أن أسعار النفط العالمية، بلغت يوم أمس نحو 77 دولارا للبرميل، في حين أن العراق يبيع نفطه بأقل من السعر العالمي بـ6 – 7 دولارات، ما يجعل سعر النفط العراقي بحدود 69 – 70 دولارا للبرميل.
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) لكل عام، وأرسلت لمجلس النواب بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، وتم بناء الموازنة، على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.
يشار إلى أن العراق وإلى جانب دول أوبك، عمد إلى خفض إنتاجه النفطي بشكل طوعي مطلع الشهر الحالي، بمعدل 211 ألف برميل يوميا، وذلك بهدف اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة التحديات التي تواجه السوق النفطية العالمية، ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب واستقرار السوق، حسب بيان وزارة النفط، في حينها.
جدير بالذكر، أن متخصصين بالنفط أكدوا في وقت سابق، أن قرار خفض الإنتاج يهدف للسيطرة على أسعار النفط ومنع انخفاضها، وأن العراق وجدها فرصة لحماية الموازنة.
يذكر أن رئيس الوزراء محمد السوداني، صرّح بعد تسنمه منصبه بفترة بسيطة، بأن العراق سيجري نقاشات مع أعضاء منظمة أوبك الآخرين لإعادة النظر في حصته الإنتاجية وزيادتها، معللا ذلك بالحاجة "إلى الأموال لإعادة إعمار العراق"، فيما بين أن العراق حريص على استقرار أسعار الطاقة، ولا يريد للأسعار أن ترتفع فوق 100 دولار ولا تنخفض بالشكل الذي يؤثر على مستوى العرض والطلب.
وتبلغ إيرادات النفط حاليا، حسب آخر إحصائية لوزارة النفط بشأن مبيعات شهر آذار الماضي، سبعة مليارات و404 ملايين دولار، عن 100 مليون و913 ألفا و27 برميلا، بمعدل تصدير ثلاثة ملايين و255 ألف برميل، بمعدل سعر 73.37 دولاراً.
يشار إلى أن جداول تقرير اللجنة المالية الخاص بالموازنة، أوردت مقدار ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين في وزارة التربية بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي همام الشماع، أن "انخفاض أسعار النفط، سيترك تأثيرا كبيرا وخطيرا على زيادة نسبة العجز في الموازنة، رغم وجود عجز مالي كبير جداً، خصوصاً أن الموازنة عبارة عن تخصيصات مالية لدفع رواتب الموظفين، أي الموازنة بلا أي مشاريع استثمارية ممكن أن تورد أموالا لخزينة الدولة لتعويض انخفاض أسعار النفط".
ويبين الشماع، أن "تخفيض إنتاج النفط الطوعي من قبل العراق، بكل تأكيد سيكون له أثر مالي على دعم موازنة العراق، فالفكرة من هذه الخطوة كانت رفع أسعار النفط في السوق العالمي، لكن الانخفاض في الأسعار مع هذا التخفيض سوف يزيد من نسبة الإيرادات المالية المتحققة من بيع النفط".
ويضيف الباحث في الشأن الاقتصادي، أن "استمرار انخفاض أسعار النفط وبيع العراق للنفط بأقل مما مثبت في قانون الموازنة، سيدفع الحكومة نحو خيارين من أجل إيجاد حلول لسد العجز المالي؛ وهما الاقتراض الداخلي والخارجي، وهذا له آثار اقتصادية سلبية كبيرة، أو العودة نحو إعادة رفع سعر الدولار من قبل البنك المركزي، والخياران لهما تبعات اقتصادية سلبية"، وفقاً للعالم الجديد.
وفي ما يخص جدول ارتفاع مخصصات الوزارات، فقد سجلت بعض الوزارات ارتفاعا متفاوتا، فوزارة النفط ارتفعت بواقع 60 بالمئة بتخصيص جديد قدره 6 تريليونات، فيما قفزت وزارة التخطيط بنسبة 720 بالمئة، من 500 مليار دينار إلى 4.1 تريليون دينار، وتخصيص وزارة الإعمار والإسكان ارتفع بنسبة 171 بالمئة، ووزارة النقل بنسبة 211 بالمئة، فيما ارتفع تخصيص وزارة الداخلية 230 بالمئة ووزارة الدفاع 67 بالمئة.
يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ"الموازنة الانفجارية".
وكان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، كشف في لقاء متلفز مطلع الشهر الحالي، وجود اعتراض داخل الإطار على الموازنة، وأن الإطار بصدد معالجة الموازنة وليس رفضها.
أقرأ ايضاً
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟
- ارتفاع أسعار النفط.. منافع آنية ومخاطر محتملة
- ميناء الفاو يقترب من الانطلاق.. لكن ما هي التحديات؟