وصف متخصصون، بنود الموازنة الحالية، بـ"المرعبة"، نظرا لحجم الارتفاع الكبير في التخصيصات المالية والموظفين، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع ببعض الوزارات 70 بالمئة، وفيما كشفوا عن تعيين 20 ألف شخص لا يقرؤون ولا يكتبون بصفة حرفي في وزارة التربية، بسبب التخبط وتدخل الأحزاب، رجحوا عودة البلاد إلى مرحلة طبع العملة في حال انهارت أسعار النفط مستقبلا.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن "الفروق بين موازنتي 2021 و2023، التي وردت بتقرير اللجنة المالية النيابية، كشف عن مضاعفة عدد الموظفين بنحو مليون و400 ألف".
ويضيف المشهداني، أن "الارتفاع بأعداد الموظفين في وزارة التربية كان هائلا جدا، وهذا لا يعود إلى المحاضرين المجانيين فقط، فعددهم لا يتجاوز 250 ألفا فقط، وما جرى هو فتح التعيينات للأحزاب والكتل"، مشيرا إلى أن "20 ألفا تم فرض تعيينهم رغم أنهم لا يقرؤون ولا يكتبون، ومهنتهم حرفيون، وكانوا يتظاهرون للمطالبة بالتعيين، ما أبقى الوزارة في حيرة من أمرها حول التعامل معهم".
ويكشف أن "هناك توجها يتمثل باشتراك وزارتي المالية والتخطيط ومجلس الخدمة الاتحادي، لإعادة التوازن بالتعيينات ونقل التخصصات من وزارة لأخرى".
ويرى المشهداني، أن "الأرقام الواردة في الموازنة أقل ما يقال عنها بأنها مرعبة، خاصة وأن أسعار النفط غير ثابتة، ما يطرح أسئلة حول الموقف الحكومي في حال انخفاض أسعار النفط، وكيف ستسد قيمة هذه الرواتب الهائلة"، متابعا أن "ارتفاع تخصيصات الوزارات أمر غريب أيضا، فمثلا وزارة التخطيط ارتفعت لأكثر من 700 بالمئة، وهذا غريب، وحتى لو تم احتساب إجراء التعداد السكاني، فهو لن يكلف أكثر من 400 مليار دينار، وليس 4 تريليونات دينار".
ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن "الموازنة تضمنت أيضا فقرة خاصة بالمستلزمات السلعية، وهذه قيمتها مرتفعة، وهذه الفقرة تخص صيانة الكهرباء والأبنية المدرسية والأثاث في دوائر الدولة وغيرها من الأمور المشابهة، وكانت موازنات العراق تفتقر لها"، موضحا "رغم أهمية هذه الفقرة لكنها ستكون بابا من أبواب الفساد".
وكان مجلس النواب، أنهى قبل ايام القراءة الثانية لمشروع قانون الموازنة، ومناقشة تقرير اللجنة المالية بشأنها، وقد تضمن التقرير ملاحظات كثيرة وتفصيلية، وجداول تقارن بحجم النفقات بين موازنة 2021 و2023.
ومن جملة ما تضمنه التقرير: الأسلوب التقليدي المعتمد في إعداد الموازنة، فانه لا ينسجم مع التطورات في حجم الموارد والإنفاق وما يصاحبه من تدني في حجم المبالغ المرصودة للمشاريع الاستثمارية.
كما أوصى بـ"التحوّل إلى موازنة البرامج والأداء بشكل تدريجي، وتصميم برامج قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة، والاهتمام بالمشاريع الاستثمارية التي تسهم في حل مشاكل البطالة والفقر، وتضمن تحقيق التنمية المستدامة، وإيجاد مصادر دخل جديدة تكون مساندة للمصدر الأساسي المتغير وهو النفط".
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار)، لكل عام، وأرسلت لمجلس النواب بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، كما بناء الموازنة، على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغ العجز فيها 63 تريليون دينار.
إلى ذلك، يبين المتخصص بالشأن المالي نبيل جبار، أن "الارتفاع الكبير بعدد الموظفين الوارد في الموازنة، هو يمثل اقتراحات حكومية، فمثلا ارتفاع نسبة كادر هيئة الحشد الشعبي لنحو 100 بالمئة، يعود لإدراج الحكومة عودة جميع المفسوخة عقودهم، سواء الذين داوموا يوما واحدا أو أسبوعا، ويقدر عددهم بأكثر من 100 ألف، في حين أن هيئة الحشد لا تريد إعادة كل هذا العدد الكبير".
ويتابع أن "تقرير اللجنة المالية بشأن الموازنة، سلط الضوء على الجزء البسيط من أخطاء الموازنة ومشاكلها، فهي عبارة عن أخطاء كبيرة، خاصة وأن النفقات بلغت 150 تريليون دينار في حين أن نفقات البلد كانت بنحو 100 تريليون دينار فقط، وهذا يؤشر وجود تضخم كبير في الموازنة".
ويصف جبار الموازنة بأنها "أشبه بصك مفتوح سيمنح للحكومة، وستتجه للتعيين والإنفاق كما تريد"، موضحا أن "أسعار النفط ربما الآن منتعشة، لكن هذا لن يدوم أكثر من عامين".
ويلفت إلى أنه "في حال انخفاض أسعار النفط فأن الحكومة ستتجه للاقتراض الداخلي، فالعراق لن يستطيع الاقتراض خارجيا وهو عليه ديون كبيرة، وفي حال فشل الاقتراض الداخلي او عدم توفر سيولة، سيتم التوجه لطبع العملة، وهذا الخيار يتسبب بسقوط قيمة العملة".
وفي جداول تقرير اللجنة المالية، ورد جدول خاص بمقدار ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.
وفي ما يخص جدول ارتفاع مخصصات الوزارات، فقد سجلت بعض الوزارات ارتفاعا متفاوتا، فوزارة النفط ارتفعت بواقع 60 بالمئة بتخصيص جديد قدره 6 تريليونات، فيما قفزت وزارة التخطيط بنسبة 720 بالمئة، من 500 مليار دينار إلى 4.1 تريليون دينار، وتخصيص وزارة الإعمار والإسكان ارتفع بنسبة 171 بالمئة، ووزارة النقل بنسبة 211 بالمئة، فيما ارتفع تخصيص وزارة الداخلية 230 بالمئة ووزارة الدفاع 67 بالمئة.
وحول هذه المشاكل في الموازنة، رد مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، بشكل مقتضب، أن "هناك برامج مخصصة للوزارات اقتضت مثل هذا الارتفاع، كالتعداد السكاني في وزارة التخطيط وغيرها من البرامج".
يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.
ومطلع الشهر الحالي، خفض العراق إنتاجه النفطي، بواقع 211 ألف برميل طوعيا، إلى جانب دول أوبك، بغية رفع سعر النفط العالمي، حيث بلغ بعد القرار نحو 85 دولارا، بعد أن كان قرابة 80 دولارا للبرميل، وعدّت الخطوة لحماية الموازنة، بإبقاء سعر النفط أعلى مما ورد فيها.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟