- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
علاوي يكتب في ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر(قدس)
حجم النص
بقلم:محمد توفيق علاوي
تمر علينا اليوم الذكرى الثالثة والأربعين لاستشهاد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره واخته العلوية الشهيدة بنت الهدى، لقد كان ذلك اليوم فاجعة كبرى لجميع المؤمنين والشرفاء والطيبين في مشارق الأرض ومغاربها فعظم الله اجوركم بهذه الذكرى المؤلمة؛ وإني لا ارغب ان اكرر تعابير التعزية والتطرق إلى إنجازاته الفكرية العظمى المعروفة لدى كافة المؤمنين والمفكرين العظام في العالم ولكني ارغب بذكر حوار شخصي بيني وبينه وانا طالب في الجامعة عام 1976، حيث تتكشف بعض الجوانب المخفية من شخصيته وسعة احاطته بتفاصيل الكثير من الأمور العامة واسبابها كما هي في هذا الحوار ادناه :
في صيف عام ١٩٧٦ سافرت إلى إنكلترا، فركبت قطار الأنفاق مع ابن عمي الذي كان يسكن هناك ، حيث يجب دفع سعر البطاقة قبل ركوب القطار، ولكن مكتب بيع البطاقات كان مغلقاً، فركبنا القطار الذي توقف في عدة محطات قبل الوصول محطتنا الأخيرة، وقبل الخروج كان هناك مكتب صغير يسمى (Access Office) حيث أخبرناه اننا لا نملك بطاقة، فسألنا عن المحطة التي إنطلقنا منها، فأخبرناه عنها، فطلب منا مبلغاً من المال إستناداً على المسافة التي قطعناها بالقطار؛ فسألت إبن عمي لو أننا خدعناه وذكرنا محطة أخرى أقرب فهل سيأخذ مبلغاً أقل، فكان جواب إبن عمي بالإيجاب، ولكنه أضاف إن هناك ثقة متبادلة والناس عادة لا يكذبون بل يقولون الحقيقة ويدفعوا ما يجب عليهم دفعه (طبعاً هذا الأمر كان عام ١٩٧٦ حيث تغيرت بعدها الكثير من عادات الناس هناك)……
لقد أثرت بي هذه الحادثة وقررت أن أسأل السيد الشهيد محمد باقر الصدر حيث كنت اتردد عليه في النجف الاشرف وأنا شاب يافع وطالب في الجامعة (حيث كانت لقاءاته الخاصة تتم في غرفة المكتبة في الطابق العلوي في بيته المتواضع)، فقابلته وكنا عادة نتداول الكثير من المواضيع حيث كان يستفسر على الكثير من الامور وعن الاحداث العامة وتفاصيل الجامعة بل حتى الامور الخاصة فطبيعته الاهتمام بتفاصيل من يحدثه وكان يتعاطف ويتألم بشكل كبير لما نتعرض له من مضايقات واعتقالات كطلبة في الجامعة، وتطرقت في احدى اللقاءات الى هذه الحادثة؛ ثم سألته (هل حسن تصرف الكثير من الناس في الغرب وتمسكهم بالصدق والعدل ناتج عن عقيدتهم المسيحية لفترة مقاربة لألفي عام؟، وهل سوء تصرف الكثير من المسلمين في بلادنا من التحايل والكذب ناتج عن عقائدنا؟) فأجابني السيد الشهيد رضوان الله عليه إجابة مباشرة وكأنه قد عاش معهم في الغرب……وقال
(هذه التصرفات لا علاقة لها بالدين، بل هي مرتبطة إرتباطاً مباشراً بالحاكم، ففي الغرب يشعر المواطن بأن الحاكم في بلده يعمل بإخلاص من أجل بلده ومن أجل مصلحة المواطنين، فتتعمق ثقة المواطن بحكومته، وعلى أثرها يخلص المواطن لبلده ولحكومته ويتعامل مع مؤسسات الدولة كافة بثقة وبصدق وإخلاص، وتنعكس آثار هذه العلاقة في تعامل المواطن مع المواطنين الآخرين، فتعم وتتعمق أجواء الثقة والصدق بين أبناء الوطن الواحد، وبمرور الوقت يكتشف أبناء الوطن الواحد أن هذه الصفات تصب لمصلحتهم جميعاً، فتترسخ هذه الصفات، ويتحول هذا السلوك بمرور الوقت إلى حالة من (المراس الحضاري) [وهذه أول مرة أسمع بهذا التعبير الذي إستخدمه السيد الشهيد في ذلك الزمن]، أما في بلداننا (والكلام للسيد الشهيد) فالحاكم هو عدو الشعب وهذه العلاقة العدائية تنعكس بشكل سلبي على العلاقة بين المواطن وبين الحاكم وبين المواطن وبين الدولة ومؤسساتها، وتنعكس آثارها السلبية عى العلاقة بين المواطنين أنفسهم، فالدين بشكل عام لا علاقة له بالقيم الأخلاقية العالية التي يتمتع بها الكثير من المواطنين بالغرب بل يرجع الفضل في ذلك لحكامهم، كما أنه لا علاقة بالمرة بين الدين وبين سوء الخلق والإفتقار للكثير من القيم الأخلاقية للكثير من المواطنين في بلداننا، بل المسؤول الأول عن هذا الإفتقار للقيم الخلقية العالية في بلداننا هو الحاكم) (إنتهى كلام الشهيد الصدر)
أقرأ ايضاً
- خارطة طريق السيد السيستاني
- خارطة طريق السيد السيستاني
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2