- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اَللّـهُمَّ اهْدِني فيهِ لِصالِحِ الأعْمالِ، وَاقْضِ لي فيهِ الْحَوائِجَ وَالآمالَ).
- سنتكلم بتوفيق الله وعونه في ثلاثة محاور:
- المحور الأول: الهداية في معناها العقائدي حيث أن من أقسام الهداية هو الهداية الإلهية التشريعية العامة: وهي الهداية التي يقوم بها الأنبياء عن طريق إرشاد الناس إلى التشريعات الإلهية وإيضاح سبل الخير لهم وتحذيرهم من سلوك سبل الشر والإنحراف وهي هداية من قبيل إراءة الطريق وإيضاحه، وهذه الهداية تشمل جميع المكلفين.
وقد دلت عليها كثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ). وقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وهناك هداية تشريعية خاصة والتي تختص بجملة من الناس، وهم الذين إستضاؤا بنور الهداية التشريعية العامة فصاروا موضع العناية الإلهية الخاصة من خلال تسديدهم في مزالق الحياة وتوفيقهم للتزود بالأعمال الصالحة. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ). فالآية علقت الهداية على من اتصف بالرجوع والإنابة والتوبة، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)، وهنا علقت الآية الكريمة الهداية على من جعل نفسه في مورد العناية الخاصة وبالعمل الصالح.
إذن.. نحن نتكلم عن الهداية الخاصة التي معناها إيصال العبد وإرشاده للزوم الطريق إليه تعالى.
- المحور الثاني: العمل الصالح. وهو أحد رواشح الهداية الخاصة، وهو توفيق العبد إلى العمل الصالح لأن للعمل الصالح مدخلية كبيرة في حياة الإنسان وله إحداث تحولات مصيرية في الدنيا والآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). و(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). فالعمل الصالح يمهد لرقدة الإنسان في ذلك البيت الجديد الذي سيحل فيه، وهو الذخيرة التي يدخرها الإنسان إلى ذلك اليوم. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (العمل الصالح حرث الآخرة).
وعليه فالوسيلة المهمة للقرب إلى الله عز وجل وترسيخ الإيمان في قلب الإنسان هو العمل الصالح، قال تعالى: (وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ). وقوله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)، ونرى في الآيات الشريفة أيضاً الكاشفة عن أهمية العمل الصالح في المنظومة العقائدية للإسلام، أن هناك تلازماً واضحاً بين الإيمان وبين العمل الصالح، بل أن النجاة يوم القيامة مترتبة على الإيمان والعمل الصالح: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات).
- المحور الثالث: رفع الحوائج الى الكامل المطلق. إن حقيقة الفقر هي العوز والإحتياج كما عرفه صاحب جامع السعادات، حيث أن الموجودات تنقسم إلى مادية محسوسة، والى معنوية غير محسوسة، والفقر هو كذلك ينقسم إلى فقر مادي والى فقر معنوي وكلاهما واضح، والإنسان هو أحد الموجودات ومادام كذلك فهو أيضاً يعرض عليه وصف الفقر والإحتياج والنقص، ولابد له من إتمام نقصه وسد فقره وإكمال احتياجه..
- لكن بمن يكون؟ وإلى من؟.
وواضح بالضرورة الفطرية ونداء العقل أن يكون رجوعه إلى من هو يتصف بالكمال في كل شيء، وهذا لا يصدق على (الممكن) في هذا الوجود إلا على (المفيض) على الوجود، وهو الغني المطلق غير المتناهي سبحانه وتعالى, فهو مورد العطاء لإتمام النقص والفقر والإحتياج لغيره، إذن.. فالإنسان هو الفقير والمحتاج إلى فيض عطاء من بيده خزائن السماوات والأرض، والمدبر لهذا الكون وحده لا غيره، والقرآن سجل هذه المسألة في آياته الشريفة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). لذا نجد في ادعية النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) الحث على عدم التخلي عن هذا الفقر وإلا فإن الإنسان سيقع في حبائل التكبر والتعالي والعجب.. وأنه تعالى هو الذي ترفع إليه النواقص والحوائج كما في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): (إلهي كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ؟! وَكَيْفَ أُؤَمِّلُ سِوَاكَ وَالْخَلْقُ وَالأَمْرُ لَكَ؟!).
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر