بقلم: علي حسين
فقط في بلاد الرافدين يستطيع سارق المال العام أن يتمتع بكل الامتيازات، وأن تصدر قرارات لا مثيل لها تسمح لمن نهب أكثر من مليارين دولار بأن يذهب إلى بيته مطمئناً، وإذا لم تصدق عزيزي القارئ أحيلك إلى تصريح عضو لجنة النزاهة البرلمانية النائب علي تركي الذي أخبرنا أن نور زهير الذي "فرهد" المليارات وُضع تحت الإقامة الجبرية، وهو يتفاوض باسم الشركات الأربع المتهمة بالسرقة، وأن صفقة إطلاق سراحه وقعت بأحرفها الأولى، وأن الحكومة مبتهجة، وربما تطلب من الشعب النزول إلى الشوارع ابتهاجاً بهذا الاتفاق الكبير.
لابدَّ من أنك قرأت في هذه الزاوية عن رئيسة كوريا الجنوبية السابقة بارك غوين، التي نشرت الصحف صورتها بملابس السجن بعد ان قررت المحكمة حبسها 32 عاماً، وكانت النيابة الكورية اتهمت، أتمنى أن لا يسألني أحد عن غياب النائب العام العراقي، أعود للسجينة الكورية التي اتُّهمت بتبذير مبلغ ثلاثة ملايين دولار استخدمتها في صيانة منزلها الخاص ومساعدة إحدى الصديقات في افتتاح محل تجاري. مع المخالفات التي ارتكبتها السيدة "غوين" تذكّر عزيزي القارئ كيف لفلف مسؤولونا مبلغ تريليون دولار في مشاريع وهمية، كان من نتائجها أنّ نسبة الفقر تجاوزت الأربعين بالمائة، وأن ملايين العراقيين يعيشون في العشوائيات، وأننا نفرح عندما توافق إيران على تزويدنا بالغاز، فالبلاد التي أخبرنا ذات يوم حسين الشهرستاني أنها ستصدّر الكهرباء لدول الجوار، وستتحول إلى أكبر منتج للمشتقات النفطية في العالم، تمدّ يدها تطلب العون من دول الجوار لتزويدها بالوقود لتشغيل المحطات الكهربائية، بينما يتمتّع سرّاق أموال الكهرباء بما نهبوه، وبالحصانة التي تمنحها إليهم الدولة باعتبارهم خطوطاً حمراء لا يمكن الاقتراب منها.
وأنا أتابع قضية سرقة القرن، كما أُطلق عليها، رغم أنها سرقة "خفيفة" قياساً بمئات المليارات التي سُرقت خلال التسعة عشر عاماً الماضية، كنت استمع الى حوارات تدور في المقهى او مكان العمل عن فساد الطبقة السياسية .. ولعل اغرب ما استمعت اليه عندما قال احد زبائن المقهى لزميل له وهما يتحدثان عن الاموال التي تُنهب كل يوم: "خل يبوكون بس خلي ينطون للناس شويه" تخيل جنابك شعب يتمنى ان يعطف عليه المسؤول بالفتات، كنت انظر الى المواطن المسكين وهو يتحدث بلوعة، كيف ان المسؤولين يتوحدون ضد الناس في كل قرار يتخذونه، وحين يجلسون لمناقشة احوال البلاد فيخرجون بقرار واحد لا غير هو الدعوة إلى تشكيل تجمع سياسي جديد يطلقون عليه تجمع الحفاظ على المنافع، فكل الذين يتحدثون عن النزاهة، باختلاف أمزجتهم، هم متضامنون في هذا المعسكر ضد أي مساس بمصالحهم وامتيازاتهم، كلهم في معسكر واحد ضد الناس، وإن اختلفت وسائل الحصول المغانم والمناصب.