أكثر من قرن من الزمان واكثر من خمسون بيتا ومئة وخمسون خادما من عشيرة المشرفاوي البصرية الاصيلة من الشيوخ والرجال والشباب والنساء والاطفال يقدمون الخدمة الحسينية الان في موكب ابي الفضل العباس (عليه السلام) على طريق بغداد في منطقة كرمة علي لمدة سبعة ايام، هذا الموكب أسس على يد اجداد الاجداد لهؤلاء الابناء والاحفاد، عشيرة خطت طريقها نحو الحسين وتوارثت الخدمة الحسينية حتى وصل الحال الى ان اطفالها يجمعون مبالغ مصروفهم اليومي ليشتروا بها عصائر ومعجنات ليوزعوها على الزوار.
اكثر من قرن
منذ العام (1910) بنت عشيرة المشرفاوي مضيف ابي الفضل العباس (عليه السلام) في منطقة الشلهة وكانت تسمى الجزة المحمدية التابعة لقضاء الهارثة بمحافظة البصرة (535) كيلومتر جنوب العراق، هكذا بدء الحاج عودة عبد لفته المشرفاوي (57 عاما) حديثه عن تاريخ عشيرته في خدمة الامام الحسين (عليه السلام) لوكالة نون الخبرية، واكمل بالقول، ان "المضيف بدء باحياء الشعائر وخدمة الامام الحسين (عليه السلام) قبل حوالي (112) سنة عبر اقامة المجالس الحسينية والمحاضرات ومجالس اللطم وتقديم الطعام والشراب منذ زمن اجداد اجدادنا ومنهم زامل ثم الى عبيد وبعده لفته وصولا الى ابائنا الحاليين كاظم وعبد لفته، ومنهم لنا واولادنا واحفادنا، منذ سبعينيات القرن الماضي اتذكر المجالس التي تقام في مضيف عشيرتنا الذي كان يجتمع فيه الناس وتحل فيه اكبر المشاكل بوجود الشيوخ(اهل البخت) وهو نفسه موكب الامام العباس الذي يعتبر مركز الشعائر الحسينية حينها".
مضائف ومواكب
وفي يوم السابع من المحرم تقام وليمة كبيرة جدا هكذا يوضح الحاج عودة تاريخ الخدمة عندهم ويضيف، ان "منطقتنا كانت زراعية وفيها مضيفي زاير لفتة وزاير عبادي اللذين تقام فيهما الشعائر الحسينية، وكانت في كل يوم ثلاثاء من الاسبوع في الايام الاعتيادية يقام مجلس ومحاضرة دينية، اما في ايام محرم فتقام يوميا في العشرة الاولى من الشهر وكان يتعلي المنبر المرحوم الشيخ عبد المهدي والملا حليم ووالده والشيخ محمد والشيخ فاضل الوائلي، وبالرغم من ان مهن ابناء العشيرة وارزاقها كانت محدودة مثل الزراعة وصيد الاسماك وتربية المواشي الا ان الاستعداد للموسم الحسيني يبدء بعد انتهاء العزاء الحسيني اي قبل سنة، والمنطقة كانت تشهد خروج مواكب في الاول والعاشر من المحرم والاربعينية، وكنا نحيي الشعائر في زمن النظام المباد بصعوبة وبالرغم من ان المنطقة بعيدة عن المدن ولا يوجد فيها شوارع الا اننا كنا نرسل الشباب ليقفوا عند القنطرة ويراقبوا الطريق خشية مجيء زبانية النظام".
الجمالي والمآتم
اتذكر مضيف عشيرتنا الذي بني من الطين وسقفه من القصب و(البارية) بما يسمى (الجمالي) بهذه الكلمات يكمل الحاج عبد الرزاق كاظم المشرفاوي (80 عاما) الكلام ويقول لوكالة نون الخبرية، ان "الناس كانت تتجمع عندنا في المضيف لاحياء الشعائر وفي المآتم التي كنا نقيمها اسبوعيا وفي محرم تستمر لعشرة ايام وبمجلسين حسينيين في المضيفين التابعة للعشيرة وكذلك في ذكرى وفاة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان تحضر كل اهالي المنطقة وحتى النساء اللواتي كن يجلسن خلف المضيف ويشاركن بالعزاء، وكنا متخصصين باقامة الولائم يوم السابع من محرم ويحضر الكثير من الناس من منطقتنا ومن مناطق اخرى وتنحر الذبائح لهم وكنا نذهب الى كربلاء المقدسة بالباصات الخشبية المسماة (دك النجف) وكان الطريق متعب وترابي ومدة السفر تصل الى عشرين ساعة، وكانت كربلاء محاطة بالنخيل ومدينة صغيرة والزوار ينامون في الشوارع، واستمر بنا الحال الى ان سقط النظام المباد فقمنا باعادة بناء المضيف بعد جمع الاموال من ابناء العشيرة وجعله بافضل صورة وتقام فيه المجالس الحسينية ويبيت فيه الزوار".
الماضي والحاضر
في تسعينيات القرن الماضي كان لدي باص كوستر وانقل الزوار في اضخم زيارتين (الشعبانية والاربعينية) من البصرة الى كربلاء المقدسة، هذه الذكريات يرويها لوكالة نون الخبرية سجاد ظاهر حبيب ويتابع بالقول "كانت معاناتنا في تلك السفرات كبيرة جدا حيث تصل مدة السفر الى (20) ساعة لاننا لا نسلك الطرق الرئيسية وكنا نتحدى النظام ونذهب بطرق ترابية ونيسمية وبين المزارع والبساتين بسبب قيام جلاوزة النظام واجهزته الامنية باعتقال عدد كبير من الزوار واصحاب السيارات، واهل البساتين يضعون لنا دلالات او يؤشرون لنا من البيت او بالخفية على الطريق الصحيح او تحذيرنا من وجود البعثيين، وبعد سقوط النظام المباد خرجت ملايين الناس من البصرة بل اقفلت عائلات بيوتها وخرجت البصرة عن بكرة ابيها الى كربلاء المقدسة ولم تكن هناك مواكب خدمة وتعرض الكثير الى مواقف محرجة من حاجتها للطعام والشراب ولكن الناس اخرجت زادها من بيوتها لاطعام الزائرين، وعلى سيرة اجدادنا وابائنا وبمجرد مشاهدتنا لسير الزائرين وبيتنا يقع على الشارع العام نصبنا موكبا حسينيا ووزعنا على الفور ولمدة سبعة ايام الطعام والشراب وما تطبخه بيوتنا، وتمكنا من تطوير الموكب وتوسيع الخدمة، وتعرفنا على رغبات الزائرين واحتياجاتهم وتوقيتات حركة في الصيف او الشتاء وعلى اساسها نقدم الوجبات حتى وصلت تقديم فطور وغداء وعشاء وبينها وجبات العصائر واللبن واللبلبي والمعجنات والتمور".
بيوت وخدام
اكثر من خمسين بيتا من العشيرة يخدم افرادها الذين يصل عددهم تقريبا الى (150) شخص في الموكب من الشيخ الكبير الى الشاب والصبي والطفل والمرأة والرجل، هكذا يصف ظاهر الموكب ويضيف ان (الخدمة الحسينية هي تربية تعلمناها من اهلنا ونقلناها الى ابنائنا واحفادنا حتى وصل الحال الى ان اطفالنا يجمعون مبالغ مصروفهم اليومي ليشتروا بها عصائر اومعجنات او ورق محارم (كلينكس) ليقفوا امام الموكب ويعطوها للزوار او عطور يرشوها عليهم والفرحة لا تسعهم، وتعلموا الايثار والتضحية من الخدمة الحسينية، كما هو حال نساء العشيرة اللواتي يشاركن الرجال في موسم الزيارة لان بيوتنا قريبة على الشارع العام ولا يوجد طبخ للطعام داخل خيمة الموكب بل تقوم النساء باعداد كل الوجبات الغذائية والخبز وبكميات كبيرة جدا، ونعمل على اشراكهن لاعطائهن فرصة للمشاركة ومواساة السيدة زينب (عليها السلام)، وتعيش العشيرة حالة استنفار تام بحلول شهري محرم وصفر، وبعد الخدمة يذهب ابنائها وشيوخها الى كربلاء المقدسة سيرا على الاقدام لمن يستطيع وبواسطة السيارات للباقين، وانا لدى موكب ثاني اشارك بكفالته مع ثلاثة من الاصدقاء نصبناه في منطقة الدراجي (موكب حامي الشريعة) بالسماوة نقدم فيه الخدمات لمدة اسبوع كامل وكانت المنطقة فارغة من السكن ولا توجد فيها حياة وكنت احمل اطنان من المواد الغذائية من البصرة الى السماوة وافرغ الحمولة فجرا واعود لجمع مواد اليوم الثاني ولكن كنت اعاني من نقص الاموال ولكن بركات ابي عبد الله (عليه السلام) جعلت الكثير من الاقارب والاصدقاء يتبرعون بمواد غذائية كمياتها بالاطنان واستمر هذا الحال لمدة ثماني سنوات وبعدها اصبحت منطقة الخضر منطقة سكنية قائمة بذاتها وفيها اسواق كبيرة نتسوق منها وتبعد عشرة كيلومترات عن موقع موكبنا، وبعدها قمنا ببناء الموكب بعد ان كان سردقا وبسعة كبيرة فيه قاعتان للرجال والنساء واصبحنا نطعم ونسقي الزوار بوجبات متعددة ويبيتون عندنا".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي