بقلم: حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ـ هود/ 117
ربما بوسعنا القول أن لا وجود لأمة تصبو إلى الفضيلة لا تدعو للإصلاح أو لا ترغب بتحقيقه إذ أن الإصلاح منهج تتمحور عليه مناحي الحياة البشرية بصيغها السليمة لا يمكن الاستغناء عنه وهو عماد تقويم الأمة والمؤدى إلى بلوغ ذرى الفضيلة وتحقيق الفوز والفلاح.
وحين نود أن نختزل تعريف مضمون ومفهوم الإصلاح فنقول: هو إزالة الفساد ومحوه، ولعل تحسينَ العلاقات الإجتماعيةِ وتوطيدها واكساءها بمباهج الفضيلة بكل أنماطها واشكالها كل ذلك يتأتى من الارتكاز على أسس الإصلاح المتينة الرصينة . فالأمة التي تسعى لأن يتضمن دستورها عناصر وعوامل مفهوم الإصلاح وبصيغه ومكوناته السليمة لابد أنها تحظى وبكل استحقاق بالأمن والأمان والطمأنينة في مناحي مسيرتها الحياتية ومجمل مفاصلها .
والإصلاح هو مقتضى نجاح ونجاة الأمم وهو معيار التحلي بالفضيلة وينأى بالأمة عن استشراء الفساد الذي تتراءى به كل صور المنكرات حيث أن الفساد يسوق الأمة أو المجتمع إلى الهاوية وباستشرائه تستشري المنكرات وجاء عن رسول صلى الله عليه وآله: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (إِنَّ ذلك أَضْعف الْإِيمان) والمقصود بالضعف عدم الإتمام والتمامية أو عدم الحزم والإصرار على التغيير إذ أن الدعوة إلى الإصلاح تعتمد على قدرٍ أو تتناسب مع درجات القدرة والإستطاعة فضلا عن موارد أخرى مما يتعلق بالشرعية والعقلية والمصداقية والجدوى وغير ذلك والنهي عما يُطلبُ النهي عنه .
وإن الدعوة الملحة وبشدة لتغيير المنكر بمختلف أنماطه وباستخدام مختلف الصيغ والوسائل في التغيير تمثل السعي لتوسيع رقعة الإصلاح والحث على التجوال برغبة جامحة في هذه الرقعة لنشر وديمومة محورية عنصر الإصلاح والسعي لصيانة بنية المجتمعات وكيانها وكينونتها من الوقوع في جرفٍ هار وتحصينه من الخراب .
وتغيير المنكر يستلزم الإعتماد على مرتكزات معينة والاستناد على عوامل بممارسات معينة سرا أو علنا ظاهرا أو باطنا لذا فقد جاء عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صلوات الله عليه قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات الله عليه : أَدْنَى الْإِنْكَارِ أَنْ يُلْقَى أَهْلُ الْمَعَاصِي بِوُجُوهٍ مُكْفَهِرَّةٍ
والمعاصي من أبرز مباعث المنكر وليس بعيدا أن يكون ارتكاب المعاصي بابا من أبواب الولوج إلى عالم الفساد وإزالة الإصلاح فتصبح المعادلة عكسية فبدلا من أن يعم الصلاح يستشري الفساد ويحدو بالمجتمع إلى الهاوية.
لذا إن الله سبحانه وتعالى خالق البشرية ومكرمها ومفضلها على جميع خلقه أراد للإنسان أن يعيش مكرما صالحا مصلحا يتبنى الإصلاح ليحيا بتمام كرامته وسعادته .
وهذا الملمح يعرفنا على أسباب ضرورة بعث الرسل والأنبياء والأولياء من قبل الباري جل وعلا.
والحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما سبط رسول الله صلى الله عليه وآله إمام معصوم مفترض الطاعة مؤدي الرسالة المحمدية الإنسانية الإصلاحية صار أولى به من أن يخرج لطلب الإصلاح والدعوة لنشره وتحقيقه وخرج صلوات الله عليه ليس متقلدا بسيفه فحسب إنما متدرع بعمق إيمانه وقوة عقيدته وعزمة وحزمه . بعد أن لاحظ بأن الفساد بدأ يستشري وربما تتوسع رقعة وجوده ولا تبقي لصلاح الإنسان أي مساحة، وهو أولى أن يتولى الإصلاح ونشره ومحو الفساد بإزالة المنكرات لذا كان أول شعار رفعه بكل صدق ومصداقية وجدية معضودة بالعزم والحزم قوله صلوات الله عليه : إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.
ولم يكن يوما أحدٌ غيره أصدق في مسراه ومقصده ونيته وهدفه وقد حقق ما كان يصبو إليه من الإصلاح الإلهي الضامن كرامة الإنسان. مما جعل الأجيال تتوق تمام التوق لاتباع هذا المنهج الإصلاحي في محوريته ومرتكزاته واطر تنفيذه وضمان تحقيقه الذي حققه الإمام الحسين صلوات الله عليه بأغلى وابهظ ثمن ليس مثله لا قبل ولا بعد.
أقرأ ايضاً
- هل سيشهد العالم موت الأمم المتحدة؟
- نهج الإصلاح في حياة الامام الكاظم ( عليه السلام)
- هل المقاطعة هي الطريق إلى الإصلاحات الدستورية أم أنها الدَرس الأخير في الانتخابات؟