- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
امكانية اعادة الانتخابات وجدواها
بقلم: سنار شريف علي
يمر العراق بأزمة سياسية خانقة، ألقت بظلالها على الوضع السياسي برمته؛ وسط صراع وعدم توافق سياسي بين التيار الصدري مطالبا بحل البرلمان، و الإطار التنسيقي مدعيا «التمسك بالشرعية». تصعيد كان من دواعيه الفشل في تشكيل الحكومة ألا أنه بنفسه انتهى بتعطيل جزئي للبرلمان ليلحقه هو الآخر بالحكومة التي لم تولد بعد؛ ليضيف إلى مسلسل مشكلات البلد مأزقا آخر, ويرسم ملامح مرحلة صعبة، وطريق ضبابي نحو مستقبل مجهول.
ونتيجة لهذا الوضع الذي لا يحسد عليه، تثور عدة أسئلة و تساور أذهان النخبة والعامة، وتفرض نفسها بقوة وهي: هل سيكون هناك حلا للبرلمان، خاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية؟ ام ستستمر العملية بدون الصدر؟ وما جدوى حل البرلمان وإعادة الانتخابات بدون تغييرات جذرية في عملية الانتخابات وعلى رأسها قانون الانتخابات؟ وهل ستتمكن الانتخابات ان تشفي العراق من وضعه السقيم وتذهب عنه بأسه؟ أم هي إعادة من أجل الإعادة، ويقتصر الجديد فيها على تغيير اسماء وشعارات الكتل السياسية وألوان لافتاتها؟
اولا لاننسى ان الكتلة الصدرية لم تعزل نفسها عن السياسة، بل استقالت؛ وانها لم تستقيل لتترك الساحة خالية للآخرين، ليقوموا بالإسراع في ملء المقاعد الشاغرة، بل انها استقالة أقرب من تكتيك سياسي، اريد به إيصال رسائل وتنبيهات، وممارسة ضغوط مستعينة بالشارع، لحسم أمور عجز البرلمان عن حسمها، واخفقت المفاوضات عن حلها. إذا فلا يمكننا تصور وجود الكتلة الصدرية -الفائزة أولا في الانتخابات، و المتمتعة بشعبية كبيرة- خارج الحكومة. هي رفضت بعض اطراف الاطار ان يكونوا شريكا لها في الحكومة فما بال تسليم الحكومة كلها لهم. إذا فالمسألة باتت واضحة، فلن تكون هناك أية حكومة بمعزل عن الصدر، وأي خطوة في هذا الاتجاه ستلاقي نفس مصير البرلمان. ومن جانب آخر، فان الكرد والسنة اختاروا الصمت ولو نسبيا، ولا يمكن التنبؤ بموقفهم تجاه أي حكومة مقبلة دون الصدر، لذلك لا يمكن التعويل عليهم في تشكيل الحكومة.
وهذا يدفعنا للقول أن جميع المعطيات تشير إلى أن هناك خيارين لا ثالث، إما حل البرلمان والشروع في انتخابات مبكرة، أو المواجهة والسير صوب المجهول. ولا أحد يرغب في الخيار الثاني، مما يعني أنه لا مفر الا الى الخيار الاول، وهو حل البرلمان وإعادة الانتخابات. و هذا يقودنا الى سؤال الأهم، وهو في حالة ما إذا تم حل البرلمان وإعادة الانتخابات فما هي جدوى هذه الخطوة؟ وما التالي؟
لايخفى علينا ان العملية السياسية في العراق أصبحت تدور في دائرة مغلقة تبدأ مشوارها من مكان ولا ينتهي إلا في حيث ما بدأ منه. نقاش حول قانون الانتخابات، ثم انتخابات، بعدها اتهامات بتزوير الانتخابات، ثم يأتي كابوس الأكبر وهو تسمية الرئاسات الثلاث-خاصة رئيس الوزراء- ومن ثم حكومة ناقصة الوزراء، وينتهي الأمر بمظاهرات ودعوات الى اقالة الحكومة، وأخيرا الدعوة إلى انتخابات مبكرة!!!
اذا الانتخابات بمفردها لن تجني الكثير ولا تأتي بجديد ما لم تصاحبها تغييرات جذرية في قانون الانتخابات، خاصة مفهوم الكتلة الاكبر، بحيث كانت ولازالت أكبر مشكلة تواجه عملية تشكيل الحكومة؛ لذلك يجب أن يتضمن القانون مواد أكثر صراحة ووضوحا بهذا الخصوص ولاتدع مجالا للشك أو اللف والدوران.
ومن جانب آخر فأنه بالرغم من اهمية الحكومة الأغلبية للعملية السياسية في العراق, وخاصة مسالة سهولة وتسريع عملية تشكيل الحكومة، الا ان المحاولات بتشكيلها باءت بالفشل ولم تتمكن من ان تتبلور إلى واقع عملي ملموس، والسبب يعود إلى مفهوم المعارضة السياسية وما يشوبه من غموض وعدم الوضوح؛ وذلك بسبب كون الثقل الانتخابي مقسما مسبقا على أسس طائفية وقومية، وليس برامج سياسية وأسس موضوعية.
لذلك تعزف الكتل السياسية برمتها عن خيار المعارضة وتصر على المشاركة وتقاسم السلطة. وعندما تصر الاطراف على ان تكون جزءا من الحكومة؛ حينها نكون أمام حكومة ائتلافية، ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ القرار، ورئيس وزراء رهين التوافقات السياسية، همه الأكبر ضمان استمرار الحكومة و الاحتفاظ بمنصبه؛ فضلا عن غياب المسؤولية، فالكل يتبنى الانجاز ويلقي عبء الفشل على الآخر، لأن الحكومة مكونة من الكل. واضافة الى كل ذلك أن إصرار الكل على المشاركة في الحكومة يؤدي الى تأخير أو عرقلة تشكيلها وجعل العملية اكثر تعقيدا.
خلاصة القول، أن مجرى الأحداث يحتم علينا القول بأن هناك خيارين اما اعادة الانتخابات، او انتظار المجهول. وأتصور أن تكون كفة الميزان لصالح الخيار الأول؛ لأن العملية السياسية لا تنجح بدون الصدر، وهذا ما يعيه الكل يفهمه. ولاننسى ان اعادة الانتخابات بحد ذاتها ليست حلا ما لم ترافقه تغييرات جذرية خاصة في قانون الانتخابات، واكثر خصوصا توضيح مفهوم الكتلة الاكبر، حيث بدونها لن تستقر المفاوضات ولن يتمكن الفرقاء من الاتفاق، خاصة بعدما ذاقوا مرارتها لأكثر من مرة، ووصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه.
وهكذا يجب أن يتضمن القانون مواد تسهل تشكيل الحكومة الاغلبية، أو تفرض تشكيل حكومة أغلبية. وقد اعجبني التحالف الثلاثي، فبالرغم من كل أوجه النقص والقصور، وبالرغم من كل الانتقادات، ضم اشكالا والوانا من مختلف الأطياف من شيعة وسنة وكرد، وكان بمثابة كسر للحاجز الطائفي الذي عانت منه الدولة والمواطن سنينا.
فلو حالف الحظ نجاح التحالف، لكنا أمام تطور كبير في العملية السياسية عموما، و خصوصا مفهوم المعارضة، وذلك من من عدة جوانب، اهمها: وجود معارضة سياسية فعالة في البرلمان، تراقب الحكومة وتنتقد أدائها وتحظر البدائل، وتعمل على وضع برامجها وخططها إذا ما اختارها الشعب؛ ووضوح المسؤولية واقتصارها على التحالف المشكل للحكومة، مما قد يدفعه الى تحسين اداء الحكومة لضمان انتخابه مرة ثانية؛ وهكذا تنبت روح احترام تبادل السلطة سلميا؛ والاهم من كلها سنكون أمام معركة برامج انتخابية وتنافس سياسي، وليس معركة حمل شعارات القومية او الطائفية... الخ التي مزقت كيان المجتمع وفتت شمله.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- قبل الانتخابات وبعدها