- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الأخلاق والقيم - الجزء الثالث
بقلم: د. عبد المطلب محمد
فلاسفة العنصرية الاوروبية
لقد كان ايمانول كانت الذي عاش في القرن الثامن عشر على رأس دعاة تصنيف الأجناس البشرية بمعايير عرقية وقسم الأجناس البشرية حسب اللون، وجعل أكثر الأجناس تطورا وذكاءا ومساهمة في بناء الحضارات هي الأجناس البيضاء، تليها الأجناس الصفراء، ثم الأجناس السوداء، ثم تأتي الأجناس الحمراء كالهنود الحمر واعتبر شعوب القارة الهندية كأسوأ الأجناس ذكاءا وأقلها تطورا كما استنتج هذا الفيلسوف (أن زنوج أفريقيا لا يثيرون فى النفس الإنسانية أيا من المشاعر الراقية، وهذا يجعل التخلص منهم امرا لا تهتز له المشاعر الإنسانية، ومن ثم لا يمكن تجريم ما يفعله المستعمر الأوروبى فى أفريقيا).
لقد هاجم فولتير الكنيسة الكاثوليكية وشجعت أفكاره الناس على القتال ضد امتيازات وهيمنة الكنيسة المسيحية وتركت أعماله وأفكاره بصمتها الواضحة على العديد من المفكرين الاوروبيين المهمين. ولكن أفكاره هذه لم تمنعه من المشاركة في تجارة العبيد الأفارقة الذين تم بيعهم كسلع من أجل الربح حيث تؤكد بعض المصادر أن فولتير قد استثمر شخصيا في شركة الهند الشرقية الفرنسية في أربعينيات القرن الثامن عشر لاستغلال العالم الجديد وتجارة العبيد. ويعتبر فولتير أن صفة الإنسان لا تنطبق بمعناها التام إلا على العرق الأبيض.
ورغم موسوعية جورج ويلهلم هيغل وعمق تفكيره إلا إنه لم يتخلص من عنصريته الأوروبية المتعالية على باقي الشعوب والاجناس بناءا على اعتقاده الراسخ بسمو وعلو الجنس الأوروبي على باقي الشعوب وتفرده بنقاء الجنس وتميزه بالعقل المنتج. وهذه النظرة العنصرية المتعصبة جعلت هيغل يصف شعوب القارات الأخرى من الزنوج والهنود والصينيين بصورة مهينة وسيئة للغاية. فعلى سبيل المثال يقول (إنّ القدر المحتوم للإمبراطوريات الآسيويّة أن تخضع للأوروبيّة، وسوف تضطرّ الصين في يومٍ من الأيام أن تستسلم لهذا المصير). كما يقول (إنّ الرجل الإفريقي يمثل الرجل الطبيعي بكلّ وحشيّته ونزقه. إذا أردنا فهمه، يجب تناسي كلّ طرائق رؤيتنا للأشياء نحن الأوربيين. يجب ألا نفكر لا في إلهٍ روحيٍّ ولا في قانونٍ أخلاقيٍّ، يجب ترك كلّ احترامٍ وكلّ أخلاقٍ لما نسمّيه مشاعر. كلّ ذلك يُنقص الإنسان (الإفريقي) الذي ما زال في مرحلةٍ خامٍ، لا يمكن أن نجد في طبعه ما يمكن أن يذكّرنا بالإنسان).
أما ديفيد هيوم وهو فيلسوف واقتصادي ومؤرخ وشخصية مهمة فى الفلسفة الغربية فقد ذهب الى أبعد من ذلك في اقصاءه للاجناس غير الاوربية حيث يقول (أنا أميل إلى الترجيح بأن الزنوج وجميع أنواع البشر بشكل عام أدنى منزلة من البيض).
لقد كان الفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور يعتبر ان الاسبقية الحضارية كانت للعرق الابيض وان جميع الحضارات كانت بين اصحاب البشرة البيضاء وحتى مع الشعوب ذات البشرة الغامقة فإن الطبقة الحاكمة كانت بشرتها افتح من بقية أفراد الشعب وان مكانة الجنس الابيض في القمة وباقي الاجناس في الاسفل. اشتهر شوبنهاور أيضا بكونه واحدا من أكثر فلاسفة العصر الحديث بغضا للمرأة التي يراها عيبا من عيوب المجتمع.
ويكاد يتفق الباحثون أن الأفكار الأساسية التي حولت أمريكا إلى معقل للحركات العنصرية ضد السود مبثوثة في أفكار وكتب إدوارد لونج (1734 – 1813) لأنه أول من استعمل مصطلح (مكانة الزنوج في الطبيعة) في تقسيماته المعقدة للسلالات البشرية، حيث أيد استرقاق الرجل الأسود لأن مكانه الطبيعي من الناحية البايولوجية, حسب تقسيماته, يقع في أدنى سلم الأعراق البشرية.
الفيلسوف الألمانى الشهير فريدرك نيتشه صاحب كتاب (هكذا تكلم زرادشت) كتب نصوصاً وكتبا نقدية حول الدين والأخلاق والفلسفة المعاصرة والحداثة وكانت لكتاباته وأفكاره تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث ولكن كثيرا ما اعتبرت أفكاره على أنها كانت الممهدة للفكر النازي. فهو دائما ما كان يروج الى أن الجنس الآرى هو أرقى المخلوقات وما دونه فهي مخلوقات متدنية. كما ان فلسفة أخلاق القوة أو (الإنسان السوبرمان) التي صاغها فريدريك نيتشه صادفت هوى لدى النازيين لمبالغتها في إقصاء الضعفاء والمرضى.
كان هربرت سبنسر عالم اجتماع وفيلسوفا إنكليزيا دافع عن نظرية التطور الدارونية وأهمية الفرد في المجتمع وطبق نظرية التطور على علم الاجتماع وهو من صاغ التعبير الذي دار حوله الكثير من النقاش (البقاء للأصلح). وشكـل هذا المصطلح مخرجا أخلاقيا لضمير الاوربيين حينما اعتبروا (الداروينية الاجتماعية) قانون الطبيعة الذي لا مفر منه، وادى بالنتيجة الى تبرير الاستعمار والعنصرية الأوروبية. ومن هذا وأمثال هذه الافكار شهد العالم أحداثا عديدة ذات طابع عنصري موغل في التوحش كالاضطهاد والمذابح الجماعية والتهجير القسري وتجارة العبيد والإرهاب الدولي والتخلص بطرق وحشية واجرامية من سكان أمريكا الاصليين.
ومن بين الفلاسفة أيضا الذى انتهجوا منهجا عنصريا معاديا للإنسانية، الروائى والفيلسوف الفرنسى الشهير جان بول ساتر، رغم تبنيه مواقف داعمة للنضال في الجزائر وكوبا وأفريقا فأنه تبنى موقفا معاديا للقضية الفلسطينية وداعما للصهيونية، ودعم حرب 1967، وعبر عن فرحته بانتصار الكيان الصهيوني واحتلال القدس وراح يدعو إلى جمع تبرعات للغزاة الصهاينة اليهود. لقد تغاضى سارتر عن الاحتلال الإسرائيلي واغتصاب أرض فلسطين وتشريد الفلسطينيين وسلب حقوقهم ولم يتبنى منطق العدل والحرية وحق الفلسطينيين في الحياة بكرامة في بلدهم وحقهم في الوجود.
لقد مهدت هذه الافكار والفلسفات العنصرية التي نادى بها وتبناها هؤلاء الكتاب والفلاسفة وغيرهم من الفلاسفة الغربيين الى تفشي التمييز العنصري والعنصرية في المجتمعات الغربية وقبولها كحقيقة لا مفر منها والى تبرير استرقاق الاجناس البشرية الاخرى واستعبادها واستعمارها واستغلالها وجعلت من تجارة العبيد تجارة مشروعة لا غبار عليها وعمل معارض غير انسانية ولا اخلاقية يتم فيها عرض افراد من الاعراق الاخرى للمشاهدة كأنهم نوع من أنواع الحيوانات البرية الغريبة في عواصم الدول الاوربية اعتبرت عروضا ترفيهية ثقافية كما استخدمت العنصرية في تبرير الاستعمار واضطهاد الشعوب الضعيفة وسرقة ثرواتها. وقد تم التعبير عن ذلك في اغلب الافلام وخاصة الامريكية التي عالجت مواضيع السود والهنود الحمر وعرضتهم على الشاشة بشكل مهين وسيء وأفردت للامريكي الابيض دور البطولة والمواقف الشجاعة.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة