- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإقتصاد العراقي بين دولار "غريشام" و دينار "الكِفاح" المجيد
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
الدينار العراقي .. كأيّ عُملة .. يتأرجَحُ بين الزينة و الحقيقة، و بين الوفرة و العُسْرَة، وبين القوّةِ والضَعف.
تتقَلّبُ قيمتهُ بين دينارٍ "فائق القوّة"، مع نفطٍ بـ 36 دولاراً للبرميل في نهاية السبعينيات من القرن الفائت .. إلى دينارٍ"هزيل"، مع نفطٍ بـ 93 دولاراً الآن .
(بطبيعة الحال أنّ سعرَ البرميل آنذاك ، يتمُّ تعديل "قيمته" من خلال ما يُعرَف بـ "تَعادُل القوّة الشرائية" للدولار آنذاك، مقابلَ "قيمتهِ" الآن).
مع ذلك.. سيبقى شكلُ العُملة، ودورها، ووظيفتها، ومحتواها، هو انعكاسٌ لطبيعة الحال.
لضعف أو "قوّة" الإقتصاد.
لتماسِك المجتمع، أو لانقسامه.. ولـ "وحدة"، أو"تشرذم" الناس.
و"أساساً" سيبقى ذلك إنعكاسُ للفوضى، أو للاستقرار (بأشكالهِ كافّة) في بلدٍ ما.
العملة الرديئة لا يُمكنُ أن تَطرُدَ العملةَ الجيّدة من السوق.
"الجَيّدُ" لا يُهزَمُ أمام الرديء، إلاّ لوقتٍ قصير، وفي غفلةٍ من التاريخ .. بعدها سيُطارِدُ "الجيِّدون" فيالق "الأنذال"، ويدفعونهم إلى "الكهوف" التي جاءوا منها، ويدفنوهم مع "أدواتهم" و"دنانيرهم" و "وَرِقهم"هناك.
لا يُمكنُ لرديءٍ ..أبداً .. أن يطردَ الجيّدَ "من" السوق.
العملة الجيّدة، هي التي تطردُ العملة الرديئة .. "إلى" السوق .
سلاما أستاذنا الكبير (إبراهيم كبّة)، الذي قلبَ لنا قانون "غريشام"، وأظهرهُ لنا على حقيقته، ونحنُ في "ثاني كليّة" .. فقط .. لا غير.
سلاما صديقنا القديم (جون غريشام)، الذي لم يكن "إقتصاديّا"، بل كان "فيلسوفاً"، ولهذا جعل "قانون" العملة يقفُ على رأسه، وليس على قدميه.
سلاماً معالي الوزير علي عبد الأمير علاّوي، لأنّ "عراقة" الدينار العراقي (كما قوّته، وكما ضعفه) لا علاقةَ لها بـ"عراقةِ" العائلة.. بل لأنّ الدينار العراقي (حالهُ حال الإقتصاد العراقي)، لا يقفُ الآنَ على رأسهِ ، ولا يدري أينَ رِجلَيه.
و طبعاً ، لا سلامَ لمن يعتَقِد أنّ "الإقتصادات" يمكن أن تتغيّر من خلالِ التلويحِ بالعَصا، أو بـ"الركوبِ على المكنسة"، أو بالضغطِ على "الزِرِّ"، أو برصاصةٍ من بندقيّة.
أعترِفُ لكَ هنا معالي السيد الوزير، بأنّك لا تتحمّلُ وزر ذلك وحدك (لأنّ هذا ليس إنصافاً)، وأنّنا جميعاً "شركاء" في هزيمتنا المدويّة، متعدّدة الأبعاد.
أعترِفُ لكَ هنا بأنّ فشلنا المزمن هو نتيجةٌ منطقيّة لسوء تدبيرنا، وقلّة حيلتنا، وهواننا على "الاخرين" .. وأيضاً لمحاولتنا إدارة شيءٍ إسمهُ "الإقتصاد".. في حين أنّ لاشيء لدينا في الحقيقة، إسمهُ "الإقتصاد".
لا يوجدُ في العراق "اقتصاد"، بل "بازار"، و "شورجة"، ودكاكين (مختلفةِ الأغراض)، وكلٌّ يزعَقُ فيها (على راحته) لترويج بضاعته.. فتختَلِطُ البضائعُ، وتختلِطُ الوجوهُ، وتختَلِطُ الأصوات، وتختَلِفُ "الأرباح"، وتختَلِفُ"الخسائر".
ما يحدثُ الآن هو أنّ بورصة "الكفاح" و"الحارثية"، أقوى وأكثرُ تأثيراً من السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي.. وإنّ الناس تبني خياراتها وتصرّفاتها الإقتصادية على توقّعات وتصريحات السياسيين، وليس على بيانات ومؤشرات و "مُوازَنات" وزارة المالية.
ما لدينا الآن هو .. لاشيء.
وقضيّتنا الرئيسة، هي كيفَ يُمكِنُ لنا أن نأتي بشيءٍ ما من هذا اللاشيء، بأقلِ كلفةٍ ممكنة، وبأقصر وقتٍ ممكن، لأنَ "الناس" فقدت قدرتها على الإحتمال، وقد تفقِدُ "رُشدها" في أيّ لحظة.
الإقتصادُ "رُشد" و "رشادة" وسلوكٌ "رشيد" وإدارةٌ "رشيدةٌ" للتصرّفاتِ والموارد.
الإقتصاد ليسَ "مُضاربة" بالمصائر.. غيرّ أنّ "السياسات" التي يتمُّ رسمها وتنفيذها على عجل، قد تقودُ سريعا إلى المضاربة بـ"دينارنا"، وبـ"دولارهم" (كما يحدثُ الآن).. وقد تقودُ لاحِقاً (وسريعاً) إلى المضاربة بـ"دمنا"، وهو ما يمكنُ أن يحدثَ أيضاً، في أيّةِ لحظة.
لا تنعدِمُ لدينا السياسات والحلول والوسائل.
لدينا منها الكثير.
فقط .. لا تَضَعوا "عربة" السياسة، أمامَ "حصان" الإقتصاد، واتركوا الإقتصاد لأهله، وتمتّعوا بـ"القيادة".