حجم النص
بقلم:المحامية / دعاء حسين العبودي
لاعجب أن نرى في بعض البلدان ان شوونها تسير على وفق انظمة قانونية عادلة في جميع مؤسساتها ودوائرها ويكون جميع الموظفين في كل مرافقها العامة والخاصة يتسابقون لخدمة المواطن باقل تكلفة مادية ومعنوية وباسرعة فترة زمنية لذلك حري بنا ان نقدس القانون العادل النافذ بالبلد الذي يضمن حق الصغير والكبير في ارجاءالمعمورة وهذا مالم نراه في بلدة العم (يس ). حكاية العم (يس) في أحد الايام دخل رجل طاعن في السن احدى الدوائر الحكومية ؛ وهو رجل أفنى عمره في كتابة الشعر والتغني بحب العراق ، الا أن أرهقته السنين وحفرت في وجهه خطوط أيامها الصعبة. كان بياض شعر رأسه لامعا ،ومميزا بين الحضور ، يرتدي بنطالا أسودا ليس على مقاسه، وسترة رصاصية واسعة تغطي قميصا أسودا أجرد اللون، جاء يخطو ببطيء متثاقلا ، وكان عدد المراجعين كبير جدا، أخذ يلتفت يمينا ويسارا يبحث عن شباك معاملات الاراضي ، واذا به يرى زخما من البشر على شكل طوابير ينتظرون دورهم أمام الشباك، لزم مكانه انتظارا وهو ينظر الى خلف زجاج ذلك الشباك فاذا به رجل اصلع قصير القامة منتفخ الوجه ذو صوت رفيع يتكلم بنبرة عالية مع المراجعين تكاد ازرار قميصه تنفجر من حجم بطنه المتدلية . ليس من سبيل له الا ان ينتظر وهو يسمع ضجيج الأصوات التي يتداخل مابين مراجعين ومحامين وزعيق موظفين . وفي وسط هذا الزحام يسمع صوتا ينادي عليه :عم ياعم ..يلتفت له واذا به شاب صغير يدعوه للجلوس مكانه في كراسي الانتظار . وبعد ان ساعده على الجلوس سأله عن معاملته فاخذ المسن يخبره بان لديه ارضا منحها كهبة لحفيدته المعاقة واخذا تباعا يتبادلان الحديث عن معاناة المراجعين وعن سوء الخدمات في اغلب دوائر المدينة ثم واصل العم (يس) الحديث عن معاملته ، وانها كاملة المستمسكات ولاتحتاج الا توقيع الموظف المختص . هنا ضحك الشاب ساخرا في سره وقال له : ان بعض الموظفين لا ينظرون الى المعاملات من ناحية النقص في المستمسكات او الاجراءات وانما ينظرلها بعين أخرى "وقد حرك سبابته وابهامه اشارة الى النقود " . هنا نظر له العم والخيبة تعتريه ، واذا به يمد يده الى جيبه ويخرج منها عملة نقدية معدنية فئة ٢٥دينار ، واخذ يمسح الصدأ الذي عليها ، وقد اعادته بالذاكرة الى سنين خلت ....: حيث في احد الايام وبينما هو عائد من المدرسة مع جوقة من الأولاد التلاميذ يتراكضون باتجاه النهر الصغير لاصطياد السمك وعند وصولهم هرعوا الى الاسماك الصغيرة يحاولون ملاحقتها ، وفي هذه الاثناء خرجت من الدكان الذي كان يجاور النهر سيدة وقورة معروف عنها في القرية أنها حكيمة الرأي وكان عمرها قد تجاوز الثمانون عاما ، وهي تتكيء على عصا وتجلس قبالة الدكان منشغلىة بالحديث مع ابنتها التي تبيع الحلوى وتسألها عن الهرج الذي قرب النهر فخرجت البنت تصرخ عليهم فاشارت لها لاسكاتها ونادت عليهم بصوت خافت وبعد ان حدثتهم بلطف غرفت بيمينها مجموعة من الحلوى وزعتها عليهم فاخذوها وهم فرحين الا (يس) فقد رفض اخذها دون تسديد ثمنها وقام باعطاء الجدة قطعة معدنية من فئة ال٢٥ دينار . ابتهجت السيدة واجلسته الى جوارها واخذت تحادثه: ما أسمك؟ الولد : يس السيدة الحكيمة: كم عمرك يس: ثلاثة عشر عاما اخبرته السيدة الحكيمة ان هناك امرا عندما تكبر عليك ان تعيه جيدا الولد: وما الامر قالت له : ان القانون عمود هذه المدينة ، واذا انحنى اصبحت الذمم بضاعة تباع ، وتشترى حسب الطلب. يس: ومامعنى ذلك الجدة : بعد أن وضعت العملة النقدية في راحت يديه واغلقتها قالت له : معنى ذلك أن لا تسمح لأحدٍ ان يشتريك بمال يوما ما ، ثم ربتت على كتفه وابتسمت .. وفي هذه الاثناء أنتبه العم (يس) على أحدهم وهو يربت على كتفه ويقول له: ياعم ياعم جاء دورك .. عاد الى واقعه المرير بلحظة ليجد نفسه أمام الموظف الذي ما أن رأى المعاملة بمجرد النظر لها اخبر (يس) ان معاملته فيها نقص واقترب منه قليلا وهمس باذنه : اكمل النقص وينتهي الامر ، فقام العم (يس) باعطاءه العملة المعدنية التي معه ، هنا غضب الموظف وقدحت عيونه شررا ، وقام بوضع اشارة على معاملته بالقلم الاسود واخبره ان يراجع بعد شهر من الآن وقال له بسخرية : هذا اذا بقيت على قيد الحياة ..اخذ العم (يس) المعاملة و العملة النقدية واقترب من الموظف وهمس في أذنه : ان هذه العملة أغلى من اي عملة وهي غير قابلة للمقايضة ، وخرج من الدائرة وهو يتمتم : أن المدن تفقد قيمتها عندما تتخلى عن قوانينها وخرج ولم يعد ........ وهنا نقول أن في البعض من دوائر الدولة يوجد فيها هكذا نماذج فاسدة لا تشبع من الحرام وهي تطلب المزيد والمزيد ولا يتم ردعها الا بقانون صارم . وفي النهاية ان سفن القانون ستبقى تبحر طويلا حتى تتوقف عند مرساة العدالة بين الناس وان طال الزمان .
أقرأ ايضاً
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- جريمة الامتناع عن معاونة السلطات التحقيقية في القانون العراقي