بقلم: سلام مكي
في النظام الديمقراطي، تكون السلطة للشعب حصريا، يمارسها بالوسيلة التي يراها مناسبة له. فهنالك صور وأشكال لممارسة السلطة من قبل الشعب، منها ممارستها بنفسه، وهو أمر مستحيل في ظل تطور فلسفات الحكم، وظهور النظريات الفكرية والنزعات الفلسفية التي تعطي خيارات عدة لتولي السلطة، ولكن ليس بصورة مباشرة، بل بالنيابة، أي أن يقوم الشعب باختيار مجموعة أشخاص يقومون بالسلطة نيابة عنه. واختيار أولئك الأشخاص يتم عبر الآلية الوحيدة وهي الانتخابات. وقد يختار الشعب عبرها من يحكمه بشكل مباشر، كما في النظام الرئاسي، أو يختار مجلسا يختار هو نيابة عنه السلطة التنفيذية التي تتولى إدارة البلد، وهي الطريقة التي نص عليها الدستور العراقي الدائم، المسماة بالنظام البرلماني.
الانتخابات الأخيرة التي تعد أول انتخابات مبكرة منذ سقوط النظام السابق، والتي جاءت عقب موجة احتجاجات وتظاهرات كبيرة شهدها البلد، جاءت لتؤكد أن صوت الشعب أقوى من أي صوت آخر.
أما النتائج التي تمثلت بصعود عدد من النواب المستقلين والنواب الذين يمثلون المتظاهرين، وتراجع مقاعد أحزاب وكتل نافذة ومؤثرة في صناعة القرار السياسي، ما هي إلا تأكيد وتأييد للرأي القائل بعلو كعب الجمهور، وقدرته على المساهمة في صناعة القرار السياسي والقانوني. نتائج الانتخابات أفرزت واقعا جديدا، غير مألوف لأغلب الكتل السياسية الحالية، فحصول كتل على مقعدين أو ثلاثة مقاعد، وتراجع مقاعد كتل أخرى، ولّد ردود فعل سياسية واجتماعية كبيرة، لعل أبرزها تظاهر عدد من المواطنين أمام بوابة المنطقة الخضراء احتجاجا على النتائج، كذلك الظهور المتكرر لسياسيين وإعلاميين ينتمون لكتل خاسرة، يصرحون بأن نتائج الانتخابات غير حقيقية وإن ما حصلوا عليه من أصوات أكثر بكثير مما أعلنته المفوضية. بالمقابل، فإن الكتل الفائزة والمرشحين المستقلين الفائزين، يقولون بأن هذه الانتخابات تعد الأكثر نزاهة وشفافية.
ما نلاحظه أن لا أحد من الكتل الخاسرة، يرى بأن الانتخابات، وسيلة الجمهور وسلاحه للتغيير، وقد أبدى الشارع رأيه صراحة بالكتل الحالية عندما قرر عدم انتخابها، كونها لم تقدم له شيئا يذكر طوال السنين الماضية، كما إن التنظيم الانتخابي لتلك الكتل وطريقة اختيار المرشحين، واستثمار قانون الانتخابات الجديد، ساهم بفوز كتل وخسارة أخرى، حسب قدرة تلك الكتل وامكانيتها على الاختيار الدقيق للمرشحين للآلية الخاصة بالترشيح، فمثلا هنالك كتل سياسية قامت بترشيح أكثر من مرشح ضمن دائرة انتخابية واحدة مما أدى إلى تشتيت الأصوات وعدم فوز أي مرشح تابع لها، في حين قامت كتل أخرى بترشيح اسم واحد فقط ضمن الدائرة الانتخابية والاتفاق على انتخابه.
هذا الأمر لا يتحدث به أحد من الكتل الخاسرة والتي تم احتساب الكثير من الأصوات الموزعة بين مرشحيها والتي لم تؤهل أيا منهم.
أقرأ ايضاً
- عندما يصبح التعليم سلاحاً لتجهيل الأجيال
- الاستثمار في العراق سلاح ذو حدين !
- الفساد العلمي بوابة تحول المعرفة إلى سلاح في يد الفاسدين