تربى عباس حسين الصفار من دولة الكويت (85 عاما) صاحب موكب العباس اخو زينب، على احياء الشعائر الحسينية في كربلاء المقدسة منذ كان عمره عشر سنوات حين كان خاله يصطحبه معه من الكويت الى العراق في ثمانينيات القرن الماضي، بذرة المحبة هذه تنامت في قلبه وهو يؤدي الشعائر في بلده الكويت عند احياء المجالس الحسينية ومجالس اللطم والطبخ والتوزيع وتنظيم المواكب، حتى هجر بيته واهله وجاور الإمام الحسين عليه السلام عام 2013 عندما رأى هو واقربائه اكثر من رؤيا نبهته الى ان له تكليفا من ابي عبد الله بالخدمة الحسينية، فبنى موكبا وقدم الكثير من الخدمات، لكنه تعلق بعشق الحسين واصبح يشعر بالغربة كلما سافر الى اهله في الكويت فحصلت معه معجزات وكرامات كثيرة، فيعود ادراجه الى موكبه على طريق الزائرين.
موت ومعجزة
وبعد عام 2003 كان يحضر الى العراق سنويا ليشارك في زيارة العاشر من المحرم والاربعينية، لكنه في العام 2013 تعرض الى وعكة صحية ادخل على اثرها الى المستشفى وتدهورت حالته حتى وصل الى العناية المركزية ودنا منه الموت، ويصف حالته هذه بالقول "انا مت موتا سريريا وشاهدت روحي تنفصل عن جسدي ووقفت اشاهد الاطباء يجرون عمليات الانعاش، وفي لمحة شاهدت ملكين يسحبونني بسرعة مذهلة الى الاعلى وانا انظر الى جسدي، وفي الطريق الى الاعلى وقف الملائكة وهم ينظرون الى الارض، وانا انظر معهم الى الاسفل فشاهدت قبة الإمام الحسين عليه السلام الذهبية، فانطلق ضوء اخضر من القبة الى مكاننا في السماء وجاءت رسالة للملائكة مفادها ان الامام الحسين عليه السلام يبلغكم السلام ويقول لكم ارجعوا روح عباس الى جسدها لم يحن اجله بعد فرد الملائكة سمعا وطاعة لسيد الشهدام، وفي لحظة رجعت روحي الى جسدي واصبحت ارى من جسدي الاطباء وهم يقولون ارسلوه الى العناية الفائقة فقد استقرت حالته، وبقيت خمسة ايام وقد غيرت تلك الكرامة مجرى حياتي بالكامل وانا افكر ماذا يريد مني الامام الحسين، وانا عبد فقير ذليل لا شأن لي عند الله.
طريق من ذهب
وفي نفس العام جئت الى العراق وسرت على الاقدام مع المشاية من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة، فهالني ما رأيت من حشود مليونية تسير نحو قبلة الشهداء، لكن ما حز في نفسي هو بساطة سرادق المواكب وادوات الخدمة والطرق التي تتعب الزائرين في الشتاء او الصيف، ووصلت الى هذا المكان الذي كان عبارة (بزل) ومياه آسنة واحراش وحشرات، وقمت بالبحث عن مكان على طريق الزائرين لاقدم الخدمة لعشاق الحسين ودخلت الى موكب السيد كاظم القزويني المجاور للبزل، وبت ليلتي في هذا الموكب فشاهدت في الرؤيا عددا من الملائكة وطلبوا مني بعد ان مسحوا على عيني النظر الى الشارع الذي يسير عليه الزائرون فشاهدت نفس الشارع والعلامات لكنه من العتبة العلوية الى العتبتين الحسينية والعباسية كله من الذهب الخالص يبرق الى عنان السماء والملائكة تسير فيه وتهتف لبيك يا حسين واشباح انوار كأنهم الأئمة الاطهار والملائكة تصعد وتنزل تتبارك بهم، فنهضت من نومي وانا اصيح هنا ينصب الموكب، فعقدت العزم على بنائه لاني عرفت ان الحسين اختارني لهذه المهمة، ورغم عدم مبالاة الناس الذين ضيفوني في تحقيق امنيتي الا اني عدت الى الكويت وجمعت المبلغ الذي يصل 21 الف دينار كويتي لشراء ارض البزل وبعت سياراتي واغراضي واقترضت من المصرف وعدت الى العراق فانصدم صاحب الارض ولم يكن مصدقا فاشتريت الارض، وبقيت عملية البناء صعبة لانها تحتاج الى انفاق كبير.
بناء الموكب
ويكمل ابو فاضل الكويتي حديثه لوكالة نون الخبرية، "لما عجزت ذهبت الى مرقد أبي الفضل العباس وناشدته انتم ائمتي وسادتي واخترتموني لمهمة ولكني عجزت بسبب عدم امتلاكي المال، فامدوني واعينوني لكي اكون خادما لكم، وبالفعل حال رجوعي الى الكويت اتصلت بي خالتي وهي سيدة كبيرة وميسورة الحال، وسألتني هل اشتريت الارض ؟ ومتى تبني الحسينية؟ وتعجبت من سؤالها لان الامر لم احدث فيه احدا فكان جوابها صادما لي، عندما اخبرتني انها رأت في المنام ان مكان البزل مشيد بالكامل وان ابي عبد الله الحسين والسيدة رقية يقفون عند الباب، فتكفلت بالبناء بكامل كلفته بعد ان جئنا الى العراق واعددنا التصاميم الخاصة بالبناء وابرمنا اتفاقا مع مقاول مختص بالبناء، وشيد الموكب في نفس العام ومساحة الموكب 2500 متر، وتضمن قاعة كبيرة للصلاة وقاعات لمبيت الرجال والنساء بمساحة 180 مترا للقاعة الواحدة ومطابخ للرجال والنساء، نصب في الموكب منظومة انترنيت تجارية مجانية للزائرين تعمل على مدار اليوم وتقدم الخدمة للجميع ، لاسيما العرب والاجانب الذين يتصلون بذويهم مجانا بواسطة تطبيقات التواصل الاجتماعي.
عيادة تعالج 14 الف زائر
عندما وجد ابو فاضل ان الكثير يسألون عن مفرزة طبية وان الحاجة قائمة قام على الفور ببناء طبابة متكاملة على شكل مستوصف حيث شيدت مباني للفحص والعلاج والتداوي وصيدلية وغرف منام خاصة للملاك الطبي المتطوع من ايران والبالغ عددهم ثلاثون شخصا بينهم 15 طبيبا و15 طبيبة وتكفلوا بجلب الادوية والمستلزمات الطبية، فقدمنا خدمات طبية كبيرة منذ ثلاث سنوات نعالج تقريبا 14 الف حالة في الزيارة الاربعينية، وبعد التأكد من وجود حاجة لصالة مخصصة للمساج والتدليك، اضاف الصفار تلك القاعة للمساج والحجامة، وجاء بثلاثة مختصين بهذا الامر من اهالي النجف بعد نشر اعلان في مواقع التواصل الاجتماعي.
عباءات النساء
يروي عباس الكويتي حادثة حصلت معه عندما تعطلت شاحنته الكبيرة (قاطرة ومقطورة) كانت محملة بمواد كثيرة للموكب تبرع بها الميسورين من معارفه واقربائه من اهالي الكويت وبينها حقيبة كبيرة محملة بملابس نسائية لم يفتحها او يعرف ما بداخلها وانكسر الجزء الرابط بين بدني الشاحنة في ساعات الليل الحالكة وارض خالية على طريق قضاء البطحاء في محافظة ذي قار، وهو متأكد ان هذا الجزء لا يمكن ان يقطع لانه محكم بالكامل وما ان توقف حتى شعر بالخوف من ان يتعرض الى السرقة او الاذى، لكنه شعر بداخله بأن الحسين له امر في هذا المكان، وفعلا ظهر شخص اسمر البشرة واستفسر عن الامر فعلم بأن الشاحنة تحتاج الى عملية لحام، فذهب وجاء بسيارتين ومعه مجموعة اشخاص ومعدات لحام كاملة وقام باصلاح القطع، وهنا سأله الكويتي هل لك حاجة عند الحسين؟ فتعجب الاسمر واجاب وما ادراك؟ فقال له قل حاجتك ، فاجاب عندي 50 إمرأة من اقربائي محتاجات الى عباءات وملابس نسائية لا يستطعن الخروج من البيت لان الفقر لا يرحم، فسلمه الحقيبة ووجد بداخلها 50 قطعة ملابس نسائية على عدد النسوة واحتياجهن بشكل متطابق.
الباكستاني والتربة
الحادثة الاخرى يرويها الكويتي بالقول "هي تخص شخص باكستاني اسمه شريف يعمل في الكويت كان معاند جدا ويبدي عدم قناعته بمصيبة الحسين او كراماته وفكره متشدد ، فتحداني وطلب مني اثبات ان تربة الحسين تتحول الى لون الدم في يوم العاشر من المحرم، والا فان كل شعائرنا كاذبة، فلجأ الصفار الكويتي الى أبي عبد الله الحسين ليثبت هذا الامر، ويضيف " خرجت من حرم الإمام وذهبت الى بائع ترب حسينية قرب التل الزينبي وجذبتني الرائحة الزكية من تربة الامام الحسين التي تشبه رائحة الحرم وطلبت منه مسبحة من الطين من تربة الامام الحسين واخبرته عن التحدي، فاعطاني مسبحتين مصنوعة من تراب قبر الامام الحسين وفيهن رائحة زكية عجيبة، فعدت الى بلدي الكويت وقابلت الباكستاني ووجدته منتظرا لجوابي واعطيته مسبحة واخبرته ان يحتفظ بها الى يوم العاشر من المحرم وسيجدها تحول لونها الى لون الدم ، فاخذها بالفعل وسافر الى الباكستان ولم يعد من سفره الى بعد انتهاء شهر محرم الحرام ، وحين وصوله الى الكويت توجه الى بيتي فاستقبلته وحضنني وقبلني وهو يبكي واخبرني انه وضع المسبحة المصنوعة من تراب قبر الامام الحسين ظهر يوم العاشر من المحرم وأحضر كل اهالي القرية التي يسكنها البالغ عددهم تقريبا سبعون فردا من النساء والرجال والذين كانوا مثله لا يؤمنون بكرامات الامام الحسين عليه السلام، فتحول لون التربة الى لون الدم فصاح الجميع وهلل وكبر واغمي على عدد منهم، فاعلن الجميع اعتناقهم لمذهب أمير المؤمنين عليه السلام.
مؤلفات قيمة
هذا المدرس التربوي العاشق الكويتي لم يكتفي بما قدمه للحسين لكنه اتخذ طريقا اخر عبر تأليف ستة كتب تسرد فضائل أهل البيت، مستغلا بقائه لاشهر عدة في موكبة على طريق الزائرين، ومعتمدا على دراسته الحوزوية لمدة اربع سنوات فقام بجمع كل الكرامات والمعاجز التي حصلت مع السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء، حينما دخل مكتبة العجيري في الكويت فوجد كتبا عن شخصية نسائية اسلامية يبلغ عدد صفحاته الفي صفحة وهي لا ترتقي الى منزلة الزهراء، فقرر ان يؤلف كتابا عن الزهراء يجمع فضائلها، فاسماه "عند البلاء نادي يا زهراء" وطبع منه اربع اجزاء، ثم كتب عن الامام المهدي كتاب "يا صاحب الزمان ادركني"، وبعدها الف كاتبا عن السيدة رقية وعاش في محنة خلال تأليف يقول عنها " بعد ان حاججه احد رجال الدين بأن شخصية رقية وهمية، فبحث بشكل مطول لمدة اربع سنوات وتنقل بين العراق وسوريا والكويت لجمع مصادره لتأليف الكتاب، فكتب عن سيرتها الذاتية وامها ومعاجزها واغلب المصادر التي اعتمدها كانت من كتب المذاهب الاربعة الاسلامية"، فضلا عن "ترجمة كتب باللغة الايرانية والاستفادة مما ورد فيها، فتم الكتاب بعد تسجيل كرامات كثيرة حصلت مع اشخاص من العراق والكويت والسعودية وسوريا والعامل المشترك بينهم هو ان الجميع عندما شاهدها في المنام يجدها تعرف عن نفسها انها هي رقية بنت الحسين، وبعد عرضه على مختصين دققوه ومحصوه ووافقوا على نشره، الا ان ما اوقف اصداره هو صورة الغلاف التي بقيت لمدة عام كامل يبحث عن غلافه ، ولديه ابنة اسمها فاطمة الزهراء وهي مهتمة بالرسم، وسألته عن الكتاب واخبرتها عن الغلاف والصورة وقالت سيحلها الله، وصباح اليوم الثاني جاءت ابنته وقد رسمت صورت الغلاف وهي لقطة عن رؤيا شاهدتها ان السيدة رقية تدخل في غرفة وعرفت نفسها لابنته فوجدت الامام الحسين عليه السلام واقفا يصلي ورقية تفرش له السجادة وصارت هي صورة الغلاف، وطبع الكتاب".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)