مؤخرا بدأ تنظيم القاعدة يشارك بنفسه ومن خلال شركات وهمية في بعض المشروعات الضخمة في الموصل، بحسب تقرير اعده مركز نقاش البحثي العراقي. مصادر مطلعة تؤكد أن احد أسباب تراجع أعمال العنف في الموصل هو المشاركة المباشرة لعناصر القاعدة بأعمال المقاولات والتجارة. يرفع أحمد الطائي يديه عاليا ويحمد الله \"ألف مرة\" على سلامة عائلته، فالمقاول الذي اختطفت القاعدة ولديه الاثنين قبل أكثر من عام، وجد في تحريرهما عزاءً له بعد ضياع ثروته.
ويرفض الطائي الذي يدير مكتبا للانشاءات العقارية تحديد المبلغ الذي دفعه كفدية لإطلاق سراحهما، لكنه قال أنه بعشرات آلاف الدولارات، وأشار إلى أن \"الكثير من أغنياء الموصل خضعوا للابتزاز- وإن بأشكال وأساليب متنوعة- على يد منظمات إرهابية من اجل تمويل نشاطاتها، بعدما شحت مصادر الدعم الخارجية\".
منذ نحو سنتين أصبحت المقاولات وبلا منازع، مصدرا رئيسا لتمويل التنظيمات الإرهابية.
ونقلت صحيفة المدى عن أحد المقاولين أن \"تنظيم القاعدة الإسلامية سمح لنا منذ عام 2005 بالعمل مقابل حصوله على نسبة محددة من ميزانية كل مشروع\".
ويتذكر الموصليون جيدا يوم 11 تشرين الثاني من عام 2005، عندما أعلن تنظيم \"دولة العراق الإسلامية\" التابع لتنظيم القاعدة سيطرته كليا على كافة المفاصل في المدينة، باستثناء مبنى المحافظة الذي حظي بحماية القوات الأمريكية.
فقد تمكن عناصر التنظيم من طرد رجال الشرطة والجيش بعد أن فجروا مراكز الشرطة ومنازل المنتسبين، وبثوا الرعب في المدينة من خلال استهدافهم الأقليات، وفرضهم لأحكام دينية متشددة.
وقال أحد المقاولين رفض الكشف عن اسمه أن \"النسبة التي كان يتقاضاها عناصر التنظيم في ذلك الوقت كانت بحدود 10 بالمئة عن كل مشروع نقوم به\".
عملية \"أم الربيعين\" العسكرية التي قادها رئيس الوزراء نوري المالكي بالتنسيق مع القوات الأمريكية في العاشر من أيار 2008 ضد عناصر التنظيم، قلصت وبشكل ملحوظ من الحضور العلني للقاعدة، \"مما دفعهم إلى تغيير أساليب الضغط علينا من تفخيخ المنازل والشركات إلى عمليات الاختطاف والاغتيال\"، يضيف المقاول.
ومنذ ذلك التاريخ \"بدأت حصة القاعدة من المشروعات تنخفض إلى أن وصلت إلى 6 بالمئة من كل ميزانية كل مشروع\"، وهي أرقام تتطابق مع معلومات حصلت عليها \"نقاش\" من مقاولين آخرين يعملون في مجال الإنشاءات.
ويعزو المقاول انخفاض النسبة إلى تزايد سيطرة الأجهزة الأمنية، ولكن أيضا، إلى \"عزوف الكثير من المقاولين عن العمل بعد خسارتهم\".
وشدد في الوقت نفسه على أن \"معرفة المسلحين بجميع الأمور التي تخص المشاريع، بسبب تغلغلهم في الدوائر الحكومية من الصعب بمكان التهرب من الدفع\".
قبل أن يتحدث عن تجربته، استذكر مهندس يشرف على عدة مشاريع ساعات عصيبة مر بها قبل عام عندما خطف هو، بينما قتل احد زملائه على أيدي تنظيم \"دولة العراق الإسلامية\" لإجبار الشركة التي يعملان فيها على دفع الفدية المفروضة عليها.
وقال \"كثيرا ما نضطر إلى استخدام مواد بناء رديئة لتفادي الخسارة أو تعويضها، لان الشركة ملزمة بالدفع لهذه التنظيمات مقابل كل مشروع تنفذه، وإلا فإنها لا تستطيع انجازه\".
مساعي التنظيم في الحصول على تمويل لم تستهدف المقاولين فقط، فرواية مشابهة لعبد الله غدير، صاحب مكتب بيع الفواكه والخضراوات، يرويها بحذر قائلا:
\"تنظيم دولة العراق الإسلامية يأخذ 100 او 200 دولار عن كل سيارة كبيرة محملة بمحصول مستورد من سوريا أو تركيا أو إيران\"، مضيفا أن \"التجار يدفعون لكيلا يقتلوا\".
الفدية أو الأتاوة التي يتقاضاها تنظيم القاعدة تتدوالها الألسنة بشكل اعتيادي في مدينة الموصل، لكن السلطات لم تتناولها رسميا إلا عندما اعتقلت القوات الأمنية قبل أشهر عددا من المسلحين المتخصصين بجمع الأموال قسرا من أصحاب محطات الوقود، الى جانب اعتقال بعض المتورطين المدنيين والحكوميين.
وذكر مصدر في شرطة نينوى طلب عدم كشف هويته، أن \"الجماعات الإرهابية التي تأخذ الفدية هي ما تسمى بدولة العراق الإسلامية (تنظيم القاعدة) ولها حصة الأسد بنسبة تزيد عن 90 بالمئة من مجموع ما يدفع، والباقي يتوزع على تنظيمات أخرى أبرزها \"أنصار الإسلام\" الذي يفرض على أصحاب المولدات الأهلية والصيدليات بشكل خاص دفع مبلغ 100 دولار شهريا\"، مستدركا أن \"هذا التنظيم طلب مؤخرا من بعض الصيادلة دفع فدية مقدمة لستة اشهر\".
على الرغم من أن هذا المشكلة أصبحت ماثلة للعيان ومعلومة للجميع في الموصل، إلا أن القادة الأمنيين يتجنبون الحديث عنها.
فقد رفض مدير إعلام قيادة عمليات نينوى العقيد خالد عبد الستار إعطاء اي تصريح بهذا الخصوص أو حتى تبرير أسباب الرفض، وكذا الحال مع اغلب المسؤولين في الحكومة المحلية، باستثناء رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري الذي أقر صراحة بوجود ظاهرة الفدية في الموصل وعلى نطاق واسع، موضحا: \"أن الأمر أصبح عاما وقد وردتنا شكاوى عديدة من مواطنين تعرضوا للابتزاز من عناصر إرهابية\".
وارجع الشمري سبب ذلك الى \"النقص الكبير في المعلومات الخاصة بهذه المشكلة نتيجة ضعف الجانب الاستخباري في عمل القوات الأمنية\".
من جانبه أشار المحلل السياسي مجدي العبدلي، الى \"ان المجتمع يشهد انتشار ثقافة القبول بدفع المال من اجل تجنب القتل أو للحفاظ على منصب أو عمل ما\".
ووفقا للعبدلي، بات هذا الأمر من المسلمات لدى شريحة واسعة من الأغنياء، واصفا عمل هؤلاء المسلحين بـ \"الأثيري\" (غير المنظور) لان \"أسماءهم وهمية ومتغيرة باستمرار ويستخدمون بطاقات شخصية مزورة\".
وتابع موضحا أن \"هذه الجماعات ليس لديها طموح سياسي محدد وإنما تحولت من جماعات تدعو للجهاد إلى مافيات إجرامية تمتهن القتل والسلب من اجل كسب المال، خاصة وان معظم الذين انخرطوا في هذه التنظيمات هم من العاطلين عن العمل والمجرمين السابقين\".
ومن اللافت للنظر ما كشفه أستاذ جامعي طلب عدم ذكر اسمه، من تحول جامعة الموصل الى \"مصدر تمويل مهم لتنظيم القاعدة\"، وذلك من خلال \"مشاريع البناء والاعمار الضخمة التي تشهدها الجامعة منذ اكثر من ثلاث السنوات\".
وأكد الأكاديمي المطلع على أحوال الجامعة أن \"عناصر التنظيم تستحصل أموالا عن المشاريع التي يجري تنفيذها، الى جانب وجود شركات مقاولات تابعة للقاعدة بواجهات واسماء مختلفة تشارك في مشروعات البناء\".
ولا يتوقف الامر عند ذلك بل إن معظم الدوائر في المحافظة تتعرض للابتزاز وفق مقابلات أجرتها \"نقاش\" مع موظفين في عدد منها، خاصة تلك التابعة لوزارات النفط والكهرباء والتجارة والإسكان والتعمير، الى جانب المعامل المنتجة وشبكة الرعاية الاجتماعية والتربية.
وتبدو تصريحات بعض المسؤولين في هذا الصدد واضحة، فقد اشار عدد منهم الى ان جزءا من الاموال المخصصة للخدمات العامة ينتهي به المطاف الى المسلحين. وفي تصريح لرئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي، قال \"ان الفساد احد الأبواب المهمة لتمويل العمليات الإرهابية\".
المفارقة الكبيرة هنا ان مسؤولاً محليا في المحافظة، يرى ان احد أسباب تراجع أعمال العنف في الموصل، هو المشاركة المباشرة لعناصر القاعدة بأعمال المقاولات والتجارة. وقال إن \"شركات مموهة تابعة للتنظيم تتولى الآن تنفيذ الكثير من مشاريع البناء والأعمار التي تدر أرباحا باهظة يسيل لها اللعاب. لذلك انشغل التنظيم بجمع الأموال، واقتصر في عملياته على الضغط والمعاقبة للذين لا يدفعون\".
أقرأ ايضاً
- لـ"تطوير المهارات".. إيفاد أعضاء مجلس بغداد إلى وجهات سياحية عالمية
- مستقبل أخضر.. جهود لمكافحة التصحر بزراعة 15 ألف شجرة في الموصل
- ما هي خفايا العقد رقم "1" مسؤول تربوي بكربلاء : شركات حكومية هدمت المدارس وتسلمت اموال عقودها وتركتها