ترجمة الباحث التاريخي مرتضى علي الأوسي مجلة ناشيونال جيوغرافيك مجلة معرفية أمريكية، تصدرها منظمة ناشيونال جيوغرافيك الأمريكية باللغة الإنكليزية منذ بدأت أنشطتها منذ عام 1888م شهرياً وزار مندوب المجلة عام 1914 الدولة العثمانية تركيا وكذلك العراق, ومرّ في مدينة كربلاء التي قال عنها: حين يدخل الزائر مدينة كربلاء المقدسة, تذهله المناظر التي تزهو بها القباب الذهبية, ومنائر تتلألأ في الأرض كنجوم السماء, تهدي الساري الى طريق الحق والنجاة, وتسمو بالذكرى العطرة للرجال الخالدين أبي عبد الله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) الذين صاغوا قيم الشهادة تاريخاً وسيرة تشدو لها القلوب, هؤلاء الذين جاهدوا في سبيل الله والعقيدة الحقة والدين القويم, وحملوا مشعل الإمامة المضطهدة عالياً في أحلك الظروف وأصعبها, وأسترخصوا كل غالً وثمين, ورفعوا راية الجهاد والقتال ضد العدو الغادر. ليس من المستغرب أن يقصد هذا المشهد المقدس القاصدون من غير المسلمين أيضاً, فيزور كربلاء الرحالون والمستشرقون ويمر فيها التجار والمسافرون, ويتطرق الى ذكرها الكتاب والباحثون ورجال السياسة والصحافة من الغربيين الذين كانت ولا تزال تجتذبهم هذه البلاد بما فيها من مزايا وكنوز وآثار وتراث. هكذا كان المتسابقون يقطعون هذه المساحة مسافة طويلة لكي يكتبوا ما يشاهدونه من المباني وسائر المرافق وقد تجلت في روضاتها المقدسة آيات الفن المعماري والزخرفة الى أقصى حدٍ ممكن في تلك الأيام, ويؤكد البعض من هؤلاء ان الفن المعماري بلغ الأوج في إبداعه، وقد ضمنت كتاباتهم جميع ما توصلت مشاهداتهم من دراسات وأبحاث أصبحت منبعاً ثرياً يستقي منه الكتاب الوصف الرائع وما تختص به مدينة كربلاء في جميع اللغات ومما يدعو الى الأسف ان هؤلاء لم يتطرقوا في رحلاتهم الى الحركة الثقافية والعلمية التي تزدهر بها المدينة عبر مدارسها وجوامعها واعلامها إلا ما ندر, مع العلم أن كربلاء هي مدينة العلم والأدب, ازدهرت فيها الثقافة العربية ازدهارا واسعاً في معظم القرون, فقد أجتمع فيها عدد كبير من أساطين العلماء والمؤرخين والثقات في سلسلة موصولة الحلقات, بحيث نستطيع القول ان كل سنة من سنوات كل قرن لم يخل من عالم ومؤرخ عاش أحداثها وأرخ لها. تناول الرحالون والمستشرقون في رحلاتهم ما شاهدوه في طريقهم إليها وحال خروجهم منها وحال المدينة من الداخل وذكروا العتبتين المقدستين ووصفوها وحال سكانها ومبانيها. خلال زيارته الى العراق لإعداد تقريره الذي نشر في العدد السادس من مجلة ناشيونال جيوغرافيك في ديسمبر عام 1914والتي صدرت في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي, ذكر الصحفي فريدريك سمبيك تفاصيل كثيرة عن الحياة في العراق في السنوات الأخيرة للاحتلال العثماني, ومن ضمن المدن التي زارها مدينة كربلاء, حيث بات فيها ليلة واحدة قادماً من بغداد ومتوجهاً الى النجف وقد كان عنوان المقالة كالتالي: (النجف مدينة التصوف الشيعي, النجف (مكة) للشيعة زيارة الى احدى المدن الغريبة في العالم بواسطة فريدريك سيمبيك), وقد وضع عنوان المقال هذا ضمن قائمة المحتويات على الغلاف الرئيسي للمجلة. وعندما وصلنا الى الضفة الغربية من نهر الفرات في المسيب استبدلنا بغال نشطة أخرى لتكمل مشوار الرحلة وقد مررنا اثناء سيرنا بحزام من أشجار التين وحدائق النخيل والتي تزين ضفاف النهر . لقد ظهرت لنا مرة أخرى الصحراء القاحلة التي كانت خالية من الحياة البرية وهي صحراء منبسطة وناعمة ولقد مررنا اثناء رحلتنا فوق بعض القنوات المائية التي كانت متروكة ومهدمة والتي كان منظرها يجعل لنا التفكير بانها جزء من نظام الري الذي اخترعه قدماء البابليين . وفي منتصف الطريق المؤدي الى كربلاء شاهدنا موكب جنائزي تحمل جنائز لموكب متجه الى مدينة النجف المقدسة ومن ضمن هذه الجثامين كانت جنازة احد النبلاء الإيرانيين والذي كان برفقته في التشييع اكثر من 300 شخص الذي جاؤوا برفقته من طهران وهم يرددون الترانيم الحزينة والقصائد التي ترثي هذا الميت. لقد كانت بعض القوافل تقوم بتهريب هذه الجنائز من تركيا عبر ايران لغرض دفنها في كربلاء لكون السلطات التركية تتبع بعض الإجراءات الصعبة التي تحول دون دخول هذه الجثامين الى خارج تركيا وفي تمام الساعة الرابعة وصلنا الى كربلاء والتي تعتبر من اكثر المدن المقدسة لدى الشيعة. حشود الزائرين لقد كانت لهذه المدينة الأثر البالغ في نشر ثقافة التشيع وارضاعها لهذا الفكر الى لهؤلاء الزوار. لقد كانت هذه الحشود الكبيرة تتسابق لأجل زيارة كربلاء وهذا ما شهده التاريخ عبر قرون مضت لقد كان لهؤلاء الزائرين غاية في ان يدفنوا موتاهم في كربلاء خارج الضريح المقدس في الأرض البعيدة عنهم لعلمهم بثواب هذا العمل.
لقد كان سكان كربلاء من الشيعة (75000) شخص وهذه المدينة التي كان لها الأثر البالغ لكونها قد حضنت في تربتها مرقد الحسين بن علي الذي كان له الضريح الرائع الذي كان يحتوي على الكنوز التي لا تقدر بثمن والنفائس وما تنطوي علية من اثر عندما تكون الزيارة واقامت صلاة الزيارة الذي اكد عليها وشرعها العلماء الشيعة والتي أصبحت لها طقوس معينة وإجراءات خاصة. في عام 1350 أصبحت كربلاء هي واحدة من الحوزات الدينية التي من خلالها يتخرج الكثير من طلاب الحوزة واحدهم كانت الشاه نعمة الله التي بقيت لمدة (40) يوما ولقد قال عليها بعض المؤرخين بان بعض من فتواها ماتزال تعمل بها لغاية الان لقد كتب تعليق حول هذه الفتوى والنبوءة: (ان نار العبادة لمئات من السنين - ان وقت المسيح والدموع – سوف يأتي الرب الحقيقي وكل كافر سوف يقتل). لقد حدثت هجمات على كربلاء ومنها ما قام به قائد للحركة الوهابية عبد الله الذي قام بسرقة ممتلكات قبر الحسين (عليه السلام) في القرن الماضي لقد تمت سرقة الكثير من النفائس الثمينة من سيوف تعود الى العصر العباسي وبعض من قطع الملابس والاقمشة الكشميرية الغالية والكثير من النقود والمسكوكات الذهبية. لم تكن هناك أي مناطق جاذبة في كربلاء لكي تجذب المسافرين لقد مكثنا في خان قد بني جداره من الطين... وايقظني الخدم في الساعات الأولى من الفجر لكي نتهيأ للرحلة وكنت مرتاحاً وتناولنا فطورنا الذي يتكون من التمر والخبز الحار والشاي، فقد كانت المسافة التي تفصلنا بين النجف وكربلاء بحدود 60 ميلاً. عندما وصلنا الى هذه المدينة كانت تبدو لنا ارض قاحلة سهلة خالية من أي شيء، وارسل لنا حاكم كربلاء بعض الأشخاص لكي يرافقونا، اما القوات التركية فقد رفضت حمايتنا لكون هناك قواعد بعدم مرور الأجانب في الصحراء، ولقد وصلنا الى الخان وكان رديء وغير جيد وكان في منطقة تنتصف المسافة وتسمى الكوفة. لقد صادفنا ونحن في طريقنا المئات من الزوار الإيرانيين الذين قد عادوا من الزيارة او الحج وسموا انفسهم بالحجاج، وقد صبغوا لحاياهم بالحنة لتصبح لونها احمر لقد قلت في نفسي اني سوف اصبح حاج مثل الجميع ومنت فرحا بهذا اللقب. هنا أنتهى ما تناوله الصحفي عن كربلاء لكن الغريب أنه لم يرفق مع المقال في المجلة صورة للمرقدين الشريفين وإنما صورة لكل من مرقد الحر والتطبير في المخيم وعربات النقل من بغداد الى كربلاء مروراً بالمسيب. يتناول الرحالة في هذا المقال وسيلة النقل التي كانت شائعة آنذاك وهي عربات الخيل التي كانت تستبدل بين فترة وأخرى وخصوصاً في المسيب، وتناول نقل الجنائز من ايران الى العراق لدفنها في كربلاء والتي انتهت مع قيام الدولة العراقية عام 1921 وبين أهمية الدفن في هذا المكان المقدس, ولم يخطأ حينما قال إن مدينة كربلاء هي إحدى أهم مدن الشيعة. ويشير الرحالة الى قضية مهمة جداً وهي أن مدينة كربلاء وقتذاك كانت مصدر إشعاع للعالم الإسلامي ففيها الكثير من الحوزات والكثير من طلاب العلم, ولا يقتصر الأمر على الرجال فقط وإنما على النساء أيضاً مما يدل على إن للمرأة في كربلاء وقتذاك كان لها دور مهم تصدرت فيه المجالس الحسينية للنساء وتصدت للإفتاء وكان لها دور في إصلاح المجتمع الإسلامي. وقد عرج هذا الرحالة على الغزو الوهابي لكربلاء عام 1801 وكيف قام الوهابيون باستباحة المدينة عن بكرة أبيها وسرقة محتويات العتبتين المقدستين فيها.