- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أدب المراثي بين التجليات والإنحسارات.. الجزء الثاني
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال
لقد اصبحت ثيمة النص الشعري أو سمته المميزة أو أساس بنية القصيدة تعتمد على مفردات ( نحبك . وتحبنه . وإنت حبنه وعشگنه ) وما يشابه ذلك مما يجعلك تعجز عن المفاضلة وعن التميز بين قصيدة وأخرى كثيرا إلا تغيير اسم الإمام عليه السلام . أو اسم الموضوع الذي عنونت به أو المناسبة.
انحسار الرقابة تذيب الذائقة الحسية
عنصران مهمان يخلف غيابهما الوهن والرُكاكة والتراجع في معظم مفاصل المنجز الإبداعي هما انحسار الذائقة الحسية وعدم مراعاتها والرقابة الذاتية والاحتكام إليها . مما يحتم على الشاعر أن يتأمل كثيرا وهو يقطع شوطه الشعري وينبغي له أن يترجل من برجه التخيلي أو الخيلائي ليقف على ضفة نمير علوم العترة الطاهرة فيرتشف ما يسعه أن يروي ظمأه المعرفي وظمأ المتلقين لنتاجاته الأدبية ويحصل ذلك حين يسعى لأن يمتلك شيئا من كل شيء فيجعل من مَلَكَته الشعرية موسوعة متواضعة صغيرة يمدها برشحاتٍ من علوم الفقه والعقيدة والأخلاق والأصول وفروع أخرى فضلا عن التحري بدقة تامة عما تضمنت النهضة الحسينية المباركة من معانٍ ومضامين ومفاهيم وأبعاد ومعطيات وما أنتجت من تغييرات للواقع وبذلك يمتلك ثقافة عامة تدرعه بدرع معرفي يسهل له اقتحام الساحة الأدبية والتجوال فيها بكل أمان واطمئنان وبثقة تامة فيحول قريحته إلى منجمٍ ينتج نفائس بمفردات تشنف آذان السُمّاع وتشرح الصدور وتسر القلوب. وأما حين يتم التوانى عن ذلك والتماهل لا شك أن القرائح سيعتريها خواء فتصبح غير منتجة لكل ما هو نافع وتنتج قصائد تفتقر للسبك والحبك اللذين يسوران القصيدة بحصانة وافية.
لا تروجوا لمن لا يستحق الترويج
لا شك أن هنالك دورا مهما للمتلقي المتتبع في المساهمة بصناعة المنجز الإبداعي وإبرازه وكذلك على نشوء التردي وشيوعه . فهو العين الفاحصة الدقيقة والأذن الواعية والمالك لمعيار الفرز بين نتاج وآخر وصاحب الحق في القبول والرفض فيقبل ما يستحق القبول ويرفض ما لا يستحق الرضا. وكذلك الدور الأهم والأبرز لمن يتكفل بتلاوة النص وإلقائه على الجمهور المتابع وإيصاله فينبغي أن يتمتع بملكة حسن اختيار النص وقراءة ما هو مناسب ولائق بالقضية وترك ما لا يليق بعيدا عن كل المجاملات والمحاباة والمساومات. إذ أننا في كل زمان ومكان نجد أن التردي سببه إنعدام عنصر الرقابة الذاتية أو غياب عنصر التروي وحسن الإنتقاء لما يطرح مما ينتج نصوصا تشكو الترهل وتفتقر لأبسط العناصر أو المستلزمات الفنية أو المعمارية للقصيدة .مما دعا لأن يخيب أمل من ظن أنه سيستمتع بالإستماع لما يطرح . فيجد أنها لا تمت بصلة لمحتويات القصيدة الشعرية الحقيقية رغم أن الكثير منها مُزَيَّن ومزوق بملامح بارزة لعملية الاستنساخ بكل وضوح لبصمة الشعراء الحسينيين الماضين إلى الخلد مثل المرحوم كاظم المنظور وغيره من الرواد. هذا الأمر سيوفر فرصة لأن تغص الساحة بنماذج لا تنسجم أبداً مع الذائقة الحسية أو ما يفزز المشاعر وتبقى الساحة محتشدة بنصوص تفتقر لأبسط مقومات النص الأدبي خالية من كل إبداع محشوة بعبارات مكررة مع تغييرات بسيطة واستبدال اسم الإمام باسم إمام آخر مجردة كل التجرد من الإهتمام بإبراز عظمة منزلة الإمام عليه السلام ومكانته وبيان فيوضاته والتعرف على مناقبه وفضائله وكذلك إبراز مفاهيم ومضامين وأبعاد ومعطيات وأهداف وإفرازات القضية الحسينية وما أنتجت من تحولات روحية نفسية على الأفراد والمجتمعات .. إن النصوص التي تحدثت عنها في صدر البحث التي اسرت المتلقي تدعونا لأن نتوخى من الآخرين أن يسلكوا سبيل الصواب القويم ليكونوا تبعا فالحا لسلف صالح ويمدوا الجسور بينهم وبين من سبقهم من الذين تركوا بصمات واضحة رائعة غاية في الروعة . وأن نسعى لكسر كل قيود وأغلال التقوقع والإعتكاف في ركن التقليد الأعمى . مراعاة ذائقة الفرد المتلقي الواعي والخروج بنصٍ متماسكٍ يزدهي بسبك الجمل الشعرية وحبك المفردات التي تكونها حرصا على إبقاء الذائقة الجمعية المتوقدة كما هي دون فساد لعل بعض الأدباء يفضل الميل كثيرا للتعاطي مع البعد العاطفي الذي هو من أبرز أبعاد القضية الحسينية العظيمة ولا ضير أن نميل له جميعا ولكن دون أن ندعه يحتل كامل المساحة التي تجول بها قرائحنا متناسين أو متجاهلين الأبعاد الأخرى الكثيرة المذكورة آنفا إذ هي كذلك متجانسة مع العاطفة والحزن المبجل المقدس وتتناغم كثيرا مع قول الإمام الصادق صلوات الله عليه حين يقول: ( إن جدي الحسين عليه السلام عِبرة وعَبرة ) وهما متلازمتان لا تفترقان عن النص الأدبي وديباجة القصيدة التي نطلق عليها تسمية ( قصيدة حسينية )
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير