عقود من الزمن مرت على عائلات سماوية ولم تنثني عزيمتهم عن الاستمرار بالخدمة الحسينية بأشكال مختلفة فقد توارثوا تلك الخدمة عن اجدادهم الذين عانوا الأمرين من بطش الدكتاتور واجهزته الامنية فكانوا يسيرون سرا ويخبئون الزائرين ويطعموهم وتعرضوا للسجن والاعتقال، وتسلموا الراية منهم ليقيموا تلك المجالس بعد نهاية حكم الطاغية ليتحدوا الارهاب بمختلف اشكالهم فلن تمنعهم المفخخات ولا الانتحاريين، وهم الان يعدون جيلا جديدا من ابنائهم ليتسلم زمام الامور والاستمرار بخدمة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام، لانها مواكب توارث اصحابها شرف الخدمة.
بطش الدكتاتور
يؤكد رزاق ثامر (70 عاما) من قضاء الخضر صاحب موكب انصار الحسين، لوكالة نون الخبرية، انه في سبعينيات القرن الماضي كان يمشي الى كربلاء المقدسة سرا وتعرض الى المطاردة من ازلام النظام المباد، وانه رافق والده في ستينيات القرن الماضي لمجالس التعزية واللطم والتشابيه، ورسخت في ذهنه القضية الحسينية ومظلومية ابي الاحرار، واشار الى ان منع الزيارة والمواكب والطبخ، من قبل الدكتاتور ولم ننثني عن اداء الشعائر، مبينا كنا نطبخ بالخفية ونوزع على المحبين، ويذكر حادثة ان مجلسا حسينيا اقامه في السبعينيات وداهمته عناصر الامن والقت القبض على العديد من الحاضرين.
وكانت عناصر البعث المنحل تلاحق المحبين الى الوركاء التي تبعد مسافة 12 كيلومترا عن الخضر، وكان الزوار يسيرون ليلا ويمكثون نهارا في بساتين الفلاحين ويتحملون المخاطر لانهم يحبون الحسين عليهم السلام.
وما ان قضى الله أمرا بزوال حكم الدكتاتور في عام 2003 حتى نصب ابو مهدي وهو والد شهيدين اعدمهم النظام المقبور موكبا هو عبارة عن بيت شعر ليقدم الخدمة فيه ويجمع ابناء واحفاده للعمل لمدة عشرة ايام ويوصيهم بالمحافظة على هذا الشرف والفخر في ان يتوارثوا من جيلهم خدمة الإمام الحسين عليه السلام.
وراثة الخدمة الحسينية
ولد مهدي رزاق آل حليوة في العام 1971 في قضاء الخضر وبدأ ادراكه للقضية الحسينية في ثمانينيات القرن الماضي ورث الخدمة الحسينية من والده ووالدته بالسير على نهج الحسين وعدم ترك هذا الطريق حتى لو ضحى المؤمن بدمه وما يملك، ، وكان يتعرض للمراقبة والمطاردة والتجسس، وذكر مثالا عن احد اصدقائه الذين كان عناصر الامن يجبرونه على الحضور الى دائرة الامن يوميا ليتلقى الضرب والتأنيب يوميا لمدة شهر قبل دخوله الى المدرسة لانه حسينيا ملتزم بالشعائر، ورغم ذلك اصر هو ومجموعة من الشباب على السير الى كربلاء المقدسة بتقسيم انفسهم الى مجموعات صغيرة يتنقلون سرا في الليل ويمكثون على حافة النهر تحاشيا لعيون ازلام السلطة ورمي انفسهم في النهر اذا داهموهم، وكانت العائلات الساكنة في البساتين تضع طعاما بسيطا مثل التمر والخبز والخيار بين النخيل خلسة ليتناوله المشاية خشية القاء القبض عليهم، وكان ابنائهم يقومون بصعود النخيل بحجة تكريبه لكنهم بالحقيقة يعملون ادلاء للزائرين لابعادهم عن امكنة تواجد البعثيين ورجال الامن، ويذكر مواقف اهل طويريج حيث يتواجد البعثيين بكثافة وكانوا يدفعون مبالغ مالية لهم مقابل السماح لمجموعات بالمرور مقابل 25 دينار.
استمرار التحدي
احمد كرم صاحب موكب الإمام الرضا عليه السلام يبين، لوكالة نون الخبرية، "سرنا في زمن الطاغية والمنع خلسة وسرا وليلا وتنقلا من عشيرة الى اخرى ووصلن الى كربلاء الفداء ونصرنا قضية الامام الحسين عليه السلام حيث كانت الناس تضع مشاعل في البساتين ليساعدونا على معرفة الطريق"، وكنا نمشي 15 يوما وكان رجلان من السادة هما احمد الرفيشي وسيد ناصر يتكفلون بتمرير المشاية من الديوانية الى الطفيليين ومنها الى كربلاء، وكان صاحب البستان لا يكتفي فقط بمبيت المشاية عنده بل يتناوب مع ابناءه واولاد عمومته بمهمة الحراسة لنا خشية القاء القبض علينا، وبعد زوال النظام انتقلت الخدمة الحسينية منا اهلنا لنا واطلقناها في العام 2003 والى الان لم تثنيا جرائم الارهاب او الوباء الذي وفرنا كل سبل الوقاية له وانما زرعنا تلك الخدمة في نفوس ابنائنا والذين تسلموا العمل في المواكب على مدى عشرة ايام، لاننا عائلات جبلت علي تقديم الخدمة للزائرين جيلا بعد جيل.
قاسم الحلفي - المثنى
تصوير: خضير فضالة
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "