الدكتور طلال فائق الكمالي
قد يقودنا دافع الفضول إلى معرفة منْ يمتلك قدرة صناعة القرار الذي يحكم العالم؛ بل ويصوغ الظروف التي تحيط به على المستويات كافة؛ ليصل الأمر ببعض الشعوب أنْ تُسلم لإملاءات تُفرض عليهم اختيارًا أم قصرًا.
وبالتأمل في أمر صُناع القرار والرؤية التي يمتلكونها، والغايات التي يسعون إليها، والآليات التي يستخدمونها، نجد أننا أمام شبكة من الدراسات الاستراتيجية تقف وراء كل ما تقدم، وبالتفحص عن هوية مراكز التفكير تلك ومرجعيتها، وسبل تحقيق أهدافها، والدعم الذي منح لها نجد ضالتنا.
ولعل الوقوف على ماهية تلك المراكز وتأريخها، ووصفها الوظيفي، نلحظ أنَّ الفضول الذي انتابنا أول وهلة يذوب جليده تلقائيًا، فلا يخفى أنَّها كانت ولا سيما في العقود الأخيرة من الالفية الماضية ولهذه الساعة تشكل عقدة القضية ومحورها الرئيس، فهي تُعنى بمهام رسم الأهداف والغايات، و تحليل الظروف التي تحيط بساحة العمل، وهي معنية بعرض صفوة القضايا وزبدتها بين يدي أصحاب القرار لاتخاذ ما يناسبهم، لتلبية مصالحهم وشراهة شهيتهم، عبر رسم معالم خطة استراتيجية مدروسة، ومن ثم وضع آليات التغيير، انتهاءً بتنفيذ عملية التغيير نفسها، لتحقيق جلب المنافع ودفع الموانع وتذليل الصعاب، وعلى وفق جدول زمني محدد، إذ لا يخفى أنَّ استقراء تلك الأفكار مرجعيتها بيانات علمية واحصائيات واقعية، يمكن تحليلها وتقديم التوصيات المناسبة لفرض التغيير المنشود، كل ذلك من خلال قراءة الماضي ودراسة الحاضر واستشراف المستقبل.
على أساس ما تقدم نلحظ أنَّ أصحاب القرار في الدول الحاكمة يعطون اهتمامًا لتلك المراكز لكونها تختزل الجهد والزمن والموارد، وتسلط الضوء على أشياء خفيت على الكثيرين بما فيهم أهل مسرح التغيير، لذا نجدهم يتزاحمون على تأسيسها واعدادها اعدادًا يتناسب ومقاصد طموحاتهم، وبالنظر إلى عدد تلك الغرف وحركة توزيعها جغرافيًا، ندرك حينئذ واقع حركة بوصلة فرض الإرادات عالميًا، فقد اتضح عبردراسة قدمتها مجموعة أمريكية تسمى Transparify ومركز إدموندام، انَّ مراكز الفكر توزعت نسبيًا في العالم على النحو الآتي: أمريكيا ( 26.07%)، أوروبا الغربية بنسبة (18.6%)، الصين (6.2%)، الهند (4.2%)، اليابان (1.6%)، البلاد العربية (5.7%).
سؤال: بالنظر لأهمية مراكز الدراسات وفاعليتها، هل بالإمكان عد غرف فكر لمؤسساتنا لنشر منظومتنا الفكرية وتسويقها؟ وبيان مواقف العدل والاعتدال لها، فضلًا على دفع المخاطر والافتراءات وتقزيم الشبهات، بأسس علمية، وبأليات حداثوية، وسبل فنية؟
هل يمكن صناعة العناصر الفاعلة في صياغة القرارات والخيارات المناسبة لمؤسساتنا على وفق الرؤية والرسالة والاهداف والمعايير العلمية؟ بغية خدمة الدين والإنسان والوطن، بدلًا من أنْ يكون مريدو مؤسساتنا من ضمن طائلة الشر لقرصنة الأرض والإنسان.
أقول: مهما كانت حدة البصر قوية تبقى تفتقر للبصيرة، ومهما كانت الغيوم ملبدة بالأمطار ستبقى تفتقر للرعد والبرق لهطولها، فهي معادلة تلازمية بين المادة والروح، ومن هنا ذهب العلامة الطباطبائي إلى قوله: "إنَّ مضي الارادة والظفر بالمراد في نشأة المادة يحتاج الى أسباب طبيعية وأخرى روحية، والانسان إذا أراد في أمر يهمه وهيأ من الاسباب الطبيعية ما يحتاج اليه لم يحل بينه وبين ما يبتغيه إلا اختلال الاسباب الروحية".