استخدم الانسان منذ فجر التاريخ النباتات والاعشاب للتخلص من الامراض والعلل التي تصيبه ويؤكد المؤرخون والباحثون ان اكتشاف هذه الطريقة جاء عبر الصدفة التي استثمرها الانسان آنذاك لتكون منطلقا لاستخدام تلك المواد في معالجة الكثير من الامراض التي تصيبه
وقد اتبع في ذلك اسلوب التجربة التي كانت تحتمل الخطأ والصواب في هذا المجال ومع مرور الوقت اكتسب خبرة كبيرة في عملية التداوي باستخدام الاعشاب التي تمثل احدى مكونات البيئة الطبيعية المحيطة به.
ولعل اول من استخدم الاعشاب في معالجة الامراض هم العراقيون القدماء الذين اكتشفوا الكثير من طرق المعالجة التي كانت تسفر عن نتائج شجعتهم على العمل في تطوير هذا الاسلوب في التداوي.
وقد اشارت الرقم الطينية للحضارتين السومرية والبابلية الى اتباع طرق كثيرة ومختلفة في هذا الصدد وتجدر الاشارة هنا الى ان هذا الاسلوب في العلاج ازدهر ايضا في معظم الحضارات القديمة لاسيما في الصين والهند فضلا عن حضارة وادي النيل وصولا الى الحضارة العربية التي بلغت العلوم فيها بهذا المجال الى ذروتها، فقد شهد هذا النوع من العلاج في ذلك الزمن تطورا نوعيا اذ قام الاطباء والعلماء العرب في تأليف مئات الكتب التي سلطت الضوء على ذلك فضلا عن اكتشاف الكثير من الادوية والعقارات التي تدخل الاعشاب في صلب مكوناتها، وهكذا استمر التعاطي مع الادوية العشبية حتى يومنا الحاضر الذي شهد الكثير من البحوث والدراسات في هذا الجانب.
استشارة الطبيب المختص
وقد اختلفت اراء ووجهات نظر العلماء في الكثير من دول العالم في شأن المعالجة بالاعشاب وفي العراق نلاحظ انتشار الكثير من المراكز التي يملكها المواطنون في مختلف انحاء البلاد اذ يرتادها الكثيرون الذين يفضلون استخدام هذا النوع من الدواء بديلا عن العقاقير التي تستخدم فيها المواد الكيمياوية وغيرها من المواد في علاج مختلف انواع الامراض التي تصيب الانسان.
وفي هذا الاطار حاولنا استطلاع اراء عدد من الاطباء عن العلاج باستخدام الاعشاب وهل يمكن ان يكون ذلك بديلا عن الادوية المستخدمة في الوقت الحاضر فأجابنا الدكتور عدي خالد الاختصاص في الامراض الباطنية الذي قال: ان الاعشاب تدخل في صناعة القسم الاكبر من الادوية المتوفرة في الصيدليات ولو ذهبنا ابعد من ذلك فان هناك عقاقير تتألف من خليط متجانس من الاعشاب من دون ان تضم محتوياتها أية مواد كيمياوية الا ان العائق الكبير الذي يقف حائلا من دون استخدام الاعشاب في العلاج هو صعوبة تحديد كميات الجرعات التي يحتاجها المريض وغياب الدليل العلمي القاطع في بعض الاحيان على فعالية تلك المواد في تحقيق الشفاء التام للمصاب، وفي العراق نلاحظ الكثير من الاشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة في المعالجة يقومون مقام الطبيب الاختصاصي، اذ يقومون بتحرير الوصفات بشكل لا يستند إلى العلمية والتجربة ما ينعكس بشكل سلبي على المريض الذي يقع ضحية لذلك هذا فضلا عن ظهور نتائج عكسية تتسبب في تفاقم المشكلة بدلا من حلها، كما يلاحظ ايضا قيام البعض باستغلال المفاهيم الخاطئة عن الادوية للترويج للاعشاب التي في كثير من الاحيان لا تنفع بل ربما تضر متعاطيها وتأسيسا على ذلك كله يجب التعامل بحذر شديد مع تلك المواد اذ لابد من استشارة الطبيب المختص قبل الاقدام على تناول تلك الادوية او استخدامها في معالجة المريض الا ان ذلك لا ينفي فوائد الاعشاب وبذور النباتات المستخدمة في المجال الطبي الذي اخذ يطور كثيرا هذا الجانب للوصول الى افضل النتائج بعد ان اثبتت الكثير من التجارب والبحوث الحديثة امكانية استخدام بعض انواع النباتات والاعشاب في معالجة الكثير من الامراض.
العودة الى الطبيعة
اما الطبيب ليث صالح الاختصاصي في الامراض الباطنية فيؤكد ان الوسط الطبي والمهتمين بالصحة قد زادت اهتماماتهم في الآونة الاخيرة باساليب الطب الشعبي الذي تستخدم فيه الاعشاب في المعالجة، فالعودة الى الطبيعة يعد إحدى الطرق التي اثبتت التجارب فاعليتها في العلاج مشيرا الى ان العديد من الادوية والمستحضرات الطبية التي تنتج في عصرنا الحالي يتم انتاجها من الاعشاب، فقد تعامل اسلافنا على مدى عصور كثيرة مع النباتات كمصدر طبيعي لعلاج الامراض وذلك لخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الانسان وهذا ما يحاول تحقيقه الطب الحديث اذ يسعى العلماء الى انتاج ادوية لا يخلف تناولها تأثيرات جانبية التي تتسببها العقاقير التي يستخدم في صناعتها المواد الكيمياوية، وبالرجوع الى علم الصيدلة نجد ان العديد من الادوية مستخلصة من النباتات والاعشاب مع اضافات كيمياوية ولهذا نرى العديد من الادوية يتم سحبها من الاسواق بعد ان تثبت التجارب مضار المواد الكيمياوية التي تضاف اليها ما يؤكد ضرورة النظر الى هذا النوع من العلاج بشكل آخر يدفع الى زيادة البحوث في مجال طب الاعشاب، اما عن المعوقات التي تقف حائلا من دون تطور هذا النوع من العلاج فيقول الدكتور ليث صالح ان عدم معرفة بعض اسماء الاعشاب لاسيما تلك التي تم وصفها في الكتب القديمة او اختلاف اسمها من منطقة الى اخرى وافتقار العديد من المتعاطين للطب الشعبي للعلم والخبرة فيعد كل ما تقدم من بين الاسباب التي تحول دون التقدم في هذا المجال.
ففي بعض البلدان مثل الصين وفي شبه القارة الهندية يتم التداوي بالاعشاب بشكل واسع النطاق وهناك العديد من المتخصصين في علم الاعشاب فهم يتوارثونه اباً عن جد ما يجعل له مكانة كبيرة في العلاج من الامراض وهناك الكثير من المراكز المتخصصة التي تعمل تحت اشراف اطباء متخصصين في هذا الجانب هناك.
أسواق العطارين
وتؤكد الطبيبة مياسة الحسناوي الاختصاصية في امراض الدم والاورام ان ما توصل اليه القدماء في الكشف عن اسرار الاعشاب الطبية قد اصبح حقائق علمية في زمننا الحالي فالاكتشافات الحديثة التي تستخدم فيها التكنولوجيا المتطورة اثبتت صحة ما توصل اليه العلماء في العصور القديمة لاسيما العرب منهم الذين يعدون اول من اسس مذاخر الادوية والصيدليات في الكثير من المدن العربية لاسيما بغداد وهم اول من استخدم الكحول لاذابة المواد غير القابلة للذوبان في الماء، ولعل استخدام الكافور والقرنفل وحبة البركة في التداوي يرجع الى العلماء العرب القدماء، ويعد التداوي بالاعشاب من الظواهر العريقة في العراق ويؤمن بعض عامة الناس انه ما من مرض لا يمكن علاجه بالنباتات اذ تدرجت معرفة هذا النوع من التداوي من سلالة الى اخرى حتى كونت ما يطلق عليه في وقتنا الحاضر بالطب الشعبي الذي هو في بعض الاحيان مبني على قواعد واسس قوية تمثل تجارب استمرت على مدى مئات السنين ولهذا فان بعض ما تحويه اسواق العطارين من الاعشاب والثمار والبذور تصلح ان تكون علاجا لعدد من الامراض المعروفة بين العامة والتي اثبتت التجارب انه يمكن معالجتها عن طريق تلك المواد الا ان استخدام الاعشاب بديلا عن الادوية الحالية الموجودة في الصيدليات والمصنعة كيمياويا يعد امرا صعبا ويحتاج الى وقت طويل من البحث والتجربة ولكن العلم الحديث قد فتح الباب على مصراعيه امام مزيد من الاختبارات على النباتات التي يمكن تعاطيها في المجال الطبي لمعالجة الامراض، وهكذا فان طب الاعشاب يحوي مجالات واسعة وواعدة في التخلص من الكثير من الامراض في الوقت الذي بدأت الجامعات في الدول المتقدمة منح الشهادات العليا للمتخصصين في هذا النوع من العلاج الذي ربما يكون في المستقبل بديلا عن الادوية التي تدخل المواد الكيمياوية في تصنيعها.
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟