عباس الصباغ
بالامكان اختزال جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين خرجوا بتظاهرات سلمية مكفولة دستوريا حاشدة، سواء السياسية منها او الخدمية بحتمية اجراء تأسيس دولتي جديد على انقاض التأسيس الدولتي الخاطئ الحالي (2003 ــ ) والذي هو ايضا جاء على انقاض عدة تأسيسات دولية خاطئة وسابقة له ، لم يشهد فيها العراق استقرارا سياسيا او اقتصاديا او تنمويا وحتى نفسيا، بل العكس من ذلك ضاعت الكثير من فرص الازدهار والنمو التي حظيت بها اغلب دول الجوار، النفطية منها خاصة فصارت المقارنة معها ضربا من الخيال العلمي إن صح التعبير، فتراكمت الاخطاء التأسيسية منذ مطلع القرن الماضي ولحد الان يضاف اليها المستجدات الخطيرة التي المّت بالمشهد العراقي كتسلط الديكتاتوريات المتعاقبة والحروب العبثية التي اشعلتها، واستفحال الارهاب من قبل تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم داعش، ناهيك عن التحديات الاقتصادية التي كانت تتعلق بأسعار النفط في السوق العالمية وتأثير ذلك على الاقتصاد العراقي الذي يوصف بالريعي وهو ماعرّضه الى هزات اقتصادية عنيفة وصلت في بعض الاحيان الى حد اعلان التقشف .
المطالبُ السياسية / القانونية للمتظاهرين تمثلت بتغيير النظام السياسي برمته من البرلماني الى الرئاسي، وإجراء تعديل عاجل للدستور الذي كُتب على عجل وفي فترة انتقالية حرجة وهو ماجعله محمّلا بالأخطاء الدستورية كالمواد حمّالة الاوجه او التي بقيت ذات مضامين قانونية مفتوحة كالتي انتهت نصوصها بعبارة (وتنظّم بقانون)، ومطلب اخر بحلّ البرلمان ومعه مجالس المحافظات واجراء انتخابات جديدة مع تعديل فوري لقانونها علما ان الانتخابات الأخيرة كانت نسبة المشاركة فيها متدنية جدا، بالإضافة الى المطلب الاهم هو مكافحة الفساد وتقديم الفاسدين الى العدالة واسترجاع الاموال العامة المنهوبة...الخ فيما تمثلت المطالب الخدمية / الاقتصادية بتحسين الواقع المعيشي للطبقات الفقيرة والتوزيع العادل للثروات مع النظر في سلّم الرواتب المجحف لأغلب الموظفين ، ناهيك عن المطلب الاهم وهو ايجاد حل معقول للبطالة المقنّعة لاسيما الخريجين وحملة الشهادات العليا الذين بقوا دون تعيين مثل اقرانهم مما ادى الى تراكم اعداد هائلة منهم وهو ماكان احد الاسباب التي ادت الى انفجار الشارع وما حدث خلال الأيام الماضية من تظاهرات وصدامات كان أمراً متوقعاً, نتيجة لسياسات التأجيل وترحيل الأزمات ومراكمتها طيلة السنوات الست عشرة السابقة دون حل.
جميع تلك المطالب هي مطالب مشروعة وليست ترفا فكريا او شعارات حماسية او فورة سياسية تطالب باسقاط النظام كما لم تكن وليدة لحظتها او انها جاءت بفعل تدخل خارجي وانما هي مطالب حقيقية ومشروعة تم التعبير عنها بشكل عفوي وسلمي ودستوري، بدليل انها جعلت الرئاسات الثلاث تعمل ليل نهار وتشمّر عن سواعدها لأجل اصدار حُزم اصلاحية عاجلة لتلبيتها وليس من اجل امتصاص غضب الشارع المنتفض بل لان هذه الحُزم المتوالية هي استحقاقات متراكمة للجماهير وعلى الجميع ان يصبروا وبسقف زمني محدد وينتظروا تحقيقها بعد تجديد طرح الثقة بين الجميع حكومة وشعبا، ويبدو ان المجمل من مطالب المتظاهرين العفوية هو تاسيس دولتي جديد اي تشكيل عملية سياسية جديدة بعيدا عن الاخطاء الكوارثية التي شابت العملية السياسية الحالية كالمحاصصة العرقطائفية والاثنية، والتحزب وكما هو واضح من المشاهد التي تنقل من ساحات التظاهر والاعتصام وجود لافتات تحمل شعارات من مثل (منريد احزاب) وبكافة الوانها الايديولوجية والطائفية والمناطقية لا على التعيين.
ولكن وكما يبدو ان هنالك تخلخلا كبيرا في الثقة مابين الشارع العراقي وبين الحكومة يصل الى درجة الازمة وهو مايفسّر البطء الشديد في تقبّل الشارع لتلك الحُزم الاصلاحية او عدم التصديق بجدواها لحل الازمات المتراكمة عادين اياها سيناريو مكملا للاجراءات الحكومية السابقة للحكومات المتعاقبة او انها بقيت حبرا على ورق او لم تكن ذات جدوى اساسا.
في رايي ان بدية الحل المقبول لجميع الاطراف هو السعي لتعديل ما امكن تعديله من الدستور لانه القاعدة التي تنطلق منها جميع الاجراءات شرط ان تكون قانونية ودستورية وليتحقق اهم مطلب من تلكم المطالب ولتكون قاعدة قانونية رصينة لتنفيذ البقية وعلى راسها التداول السلمي للسلطة وتغيير النظام السياسي واجراء انتخابات بعد تغيير قانونها .
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- الشرق الأوسط الجديد
- توقيتات الدوام الجديد ومتلازمة التمن والمرق