- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ايران والعراق هل يمكن الفراق؟!
بقلم: نجاح محمد علي
أكدت المظاهرات الأخيرة في العراق أن هناك الكثير الذي يتعين على إيران القيام به لتفادي وقوع كارثة كبرى ربما أكثر مأساوية من الحرب العراقية الايرانية التي خلفت أكثر من مليوني قتيل ودمرت البنى التحتية للبلدين، والأهم أنها سعت إلى دق إسفين بين الشعبين المتجاورين وبينهما الكثير من الوشائج والصلات ومنها طبعاً العشائرية.
وإذْ لم يكن جديداً إطلاق بعض المتظاهرين شعار "إيران برّه برّه" وهو الذي أصبح ماركة مسجلة للتيار الصدري الذي حرض زعيمه على دعم المظاهرات وهو في ايران، إلا أن العديد من المتظاهرين خصوصاً الفتيان، كانوا يرددونه هذه المرة بحماسة أكبر وبعضهم ذهب الى أبعد من هذا بكثير عندما إتهم ضباطاً (إيرانيين) بفتح النار على المتظاهرين وقتلهم، وجنح آخرون في الحديث الى القول إنهم كانوا يسمعون مطلقي النار وهم يتحدثون الفارسية , فيما وزع غيرهم فيديو يقولون إنه جواز سفر أحد القناصة الذين كانوا يستهدفون رؤوس المتظاهرين وعناصر القوات الأمنية على السواء.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي صار يُؤْمِن بها الجانبان الحكومي الذي يتحدث عن مندسين ومخطط للانقلاب على النظام السياسي، والمتظاهرون الذين يكرر من نصب نفسه متحدثاً بإسمهم على القنوات الفضائية ويتهمون ايران بقمع المظاهرات وتعزيز القبضة الأمنية، كانت إيران حاضرة بقوة في هذه الأزمة التي يهدد استمرارها بالمزيد من التدهور في علاقات ايران مع الشعب العراقي وبالتالي زيادة الشرخ الذي تريده أطراف معينة داخل العملية السياسية وخارجها لجر البلدين الى حرب جديدة أشد ضراوة من حرب الثماني سنوات بسبب أن السعودية المجاورة للعراق أيضاً،ستنخرط فيها شاءت أم أبت وما يمكن أن يجر هذا الى تفجر الأمن الإقليمي برمته ودخول أطراف دولية من خارج المنطقة فيها.
دعم الفاسدين
أظهرت المظاهرات الأخيرة الى السطح جيلاً من الشباب كبر وعاش في ظل عملية سياسية فرضها المحتل منذ العام 2003 وشهد كل إرهاصاتها والصراع على السلطة والمال والنفوذ وبات بالتالي محبطاً تماماً من الطبقة السياسية الحالية خصوصاً الأحزاب الاسلامية الشيعية، فالمتظاهرون كلهم شيعة، وحتى الذين قدموا الى بغداد للمشاركة فيها، جاؤوا من مدن الوسط والجنوب الشيعية، وكلهم فقد الأمل تماماً في الإصلاح والتغيير،وهو يحمل إيران مسؤولية مايقولون دعم هذه الأحزاب رغم برود فسادها وتورط شخصيات نافذة من هؤلاء الاسلاميين في الفساد.
ولقد نجحت الماكينة الإعلامية في ايجاد شرخ كبير بين الكثير من هؤلاء الشبان الشيعة وإيران ساهم فيها تدهور الوضع الاقتصادي واعتماد العراق في الكثير من وارداته الصناعية والزراعية خصوصاً المنتجات الغذائية على ايران وإغراقه بالمخدرات التي تعاني منها إيران أيضاً،وعناصر أخرى جعلت صورة ايران لدى الشبان تحديداً ممزوجة بالكراهية بالرغم من سفر الكثير منهم الى ايران لأغراض العلاج والسياحة.
ومسحت أخطاء السياسيين العراقيين المحسوبين على إيران، من أذهان هؤلاء الفتية العراقيين صورة ذلك الايراني الذي سارع الى المشاركة مع ذويهم في الحرب مع الاٍرهاب وتلك التضحيات بالدم من قادة عسكريين كبار في الحرس الثوري على شاكلة العميد حميد تقوي الذي سقط على مشارف سامراء أثناء المواجهة مع تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وبقيت صورة الايراني الذي يقولون إنه يدعم الفاسدين ويستقبلهم (رايحين جايين) ويلتقط معهم الصور وهم يقودون تيارات ضالعة بالفساد وغارقة فيه حتى الثمالة.
ويقارن الكثير من الشبان الذين تظاهروا في الأداء مع السياسيين العراقيين بين المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الذي أغلق بابه بوجههم وماعاد يستقبل أحداً منهم وانحيازه الدائم والمستمر للمتظاهرين السلميين ومطالبهم المشروعة، وبين المسؤولين الايرانيين الذين يقيمون علاقات قوية مع أقطاب الفساد ويلتفونهم رغم كراهية الشعب لهم، وذهب الكثير منهم في تصريحاته الى وصف المظاهرات بالفتنة التي تحاول عرقلة زيارة الأربعين ومنع ملايين الايرانيين من التوجه الى كربلاء.
ورغم أن المسؤولين في ايران كانوا يميزون بين المظاهرات والجهات المحرضة عليها في هذا الوقت بالذات، وبين المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بالقضاء على الفساد وتحسين أوضاعهم المعيشية، إلا الكثير من المتظاهرين يعتبرون الموقف الايراني منحازاً ضدهم خصوصاً وأنهم تصلهم تصريحات الايرانيين مترجمة نقلاً عن قنوات فضائية معظمها إن لم نقل كلها واقع تحت تأثير الحرب الإعلامية بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها السعودية والإمارات واسرائيل، وبالتالي ومع الضعف البارز للآلة الاعلامية العراقية المدعومة من ايران (والمتواطئين المخترقين لها)، والاتهامات المباشرة لحلفائها العراقيين بالضلوع في الفساد وقمع المتظاهرين، فقد أصبحت إيران، العدو رقم واحد رغم كل جهودها الأمنية والسياسية لدعم العراق في مواجهة الاٍرهاب، وبالرغم من أن الولايات المتحدة هي التي صنعت العملية السياسية الراهنة وهي التي أوجدت نظام المحاصصة في مؤتمر المعارضة في لندن منتصف كانون أول تشرين ثاني2002، وقسمت منذ ذلك الحين المواطنة الى مكونات سنية وشيعية وعرقية.
حلفاء من طين
وتعكس حالة الاحتقان التي سادت الشارع أن ايران لاتحظى بحلفاء حقيقيين في العراق كما هو الحال في اليمن ولبنان، وأنها انكشفت على واقع مؤلم ضدها في ضوء عجز القنوات الفضائية المحسوبة عليها عن معالجة الفجوة بين ماتريد ايران ومايريده الشارع، والتروبج عبر برامجها الحوارية،لوجهة نظر مغايرة لماتريده الجمهورية الاسلامية بشأن بقاء حكومة عادل عبد المهدي ورفض الاستجابة لمطالب خصوم ايران باستقالته خصوصاً وهم مشاركون في الحكومة كالتيار الصدري وفي العملية السياسة ولهم حصص كبيرة جداً في الحكومة وفي الدولة العميقة مثل عمار الحكيم وأطراف نافدة في حزب الدعوة(عينهم على منصب رئيس الوزراء) وجبهة الإنقاذ وعموم سنّة السلطة عدا محور خميس الخنجر ومعظم الأكراد.
ولقد ساهمت وسائل الاعلام العراقية الممولة من ايران في إضعاف الدور الايراني الإيجابي والفشل في عدم تدخلاً في شؤون العراق الداخلية، كما ساهم في صنع وتلميع (قيادات) متهمة بالإرهاب وبمعاداة حكومة عادل عبد المهدي التي جاءت بتوافق ايراني بريطاني، وفي إضعاف دور عادل عبد المهدي وتقويض جهوده الرامية الى إبعاد العراق عن لعبة المحاور والأقطاب ومن أن يصبح ساحة للصراع الايراني الامريكي والايراني السعودي تحت سقف الدستور في مادته الثامنة، وموقف المرجعية العليا الرافض أن يتحول العراق الى منصة لإيذاء جيرانه بلا استثناء.
وفي هذا الواقع فان إيران أدركت كما يبدو أن فساد السياسين والأحزاب والتيارات الاسلامية سيحملها الكثير من الأعباء ويذهب بسمعتها في أوساط العراقيين وإن كان الإسلاميون المحسوبيون عليها ليسوا هم السبب الوحيد الذي جعل العراق على شفا الانهيار الكامل، وأوصل بالتالي العراقيين خصوصاً الشباب ليتحولوا بركاناً لو يتفجر فسيدمر الجميع، لأن كل من شارك في العملية السياسية وإن حاول النأي بنفسه في المظاهرات الأخيرة، هو مساهم فيما آلت اليه الأوضاع ولا يمكن إذاً أن يكون مصلحاً وعلى وجه التحديد مقتدى الصدر وعمار الحكيم وجبهة الإنقاذ السنّية.
صحيح أن الانتخابات هي التي جاءت بكل هؤلاء الذي انتقض عليهم الشارع، وصحيح أن التهديدات الامريكية والاسرائيلية ومعهما السعودية لايران تدفع بها الى التمسك بالفصائل والأحزاب في معادلة الردع، إلا أن بإمكان ايران فعل الكثير لتكسب قلوب العراقيين وسيوفهم ومعالجة السيل الاعلامي الهادر الموجه ضدها وهي ماتزال تتلكأ في حل المسائل العالقة من القرار الدولي رقم 598 الذي أوقف الحرب عام 1988 ولم يأت بالسلام الكامل، ويمكنه بعد كل ماحصل أن ينفجر الى حرب تلد أخرى على وقع تطورات جديدة بعد التدخل العسكري التركي في سوريا وما يمكن أن يسفر ذلك عن عودة داعش مرة أخرى الى العراق لايذاء إيران، وهذا ما أشار له المرجع الديني السيد السيستاني عندما أمهل الحكومة العراقية اسبوعين للكشف عن هوية المجرمين الذين أطلقوا النار على المتظاهرين والقوات الأمنية ومنهم بالطبع قناصون، ذلك أن المرجعية تعلم علم اليقين بما لديها من مجسات، أن لدى السيد عادل عبد المهدي أدلة دامغة عن هؤلاء وأن الكشف عنهم يقطع التكهنات والاتهامات الموجهة لايران في هذا الصعيد.
وما لم تبادر ايران الى إعادة النظر في تقويم خارطة تحالفاتها العراقية وأن تنفتح على الشباب بمد قنوات اتصال مباشرة معهم وتوقف عجلة النسخ النازل فقط في التبادل التجاري وتساهم في بناء مستشفيات تخصصية خصوصاً في المدن المجاورة كما فعلت تركيا والإمارات وتتعاون بجد أكبر مع العراق لمكافحة شبكات تهريب المخدرات وغيرها من الخطوات العملية التي تخدم الجانبين، فان شعار "ايران والعراق لايمكن الفراق" الذي أطلقته مع مريديها العراقيين، يبقى مجرد شعار لايصمد أمام "شعار ايران برّه برّه" المدعوم بآلة إعلامية واسعة التأثير يعضدها فشل الاعلام الممول إيرانياً والذي ينفذ في الغالب ـ ربما عن جهل ـ أجندة أصحاب الشعار الثاني والكثير من القائمين عليه متلحف بعباءة الولي الفقيه الذي غرد قبل أيام مشيدا بالشعب العراقي وكرمه، ومعلقاً على المظاهرات ومحاولاً غزو قلوب العراقيين: حب الحسين يجمعنا.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟