حسن كاظم الفتال
لا تغيبُ عن ذهن أي منا حقيقةُ أن الحسينَ عليه السلام هو عدلُ القرآن بل هو القرآنُ الناطق وكما أن القرآن َالكريم َأنطوى مضمونه على أسرار عظيمة فهو عليه السلام أيضا ينفرد بأسرار خفية لا يعلم كنه معرفتها إلا اللهُ جل وعلا ورسولُه الكريمُ صلى الله عليه وآله والراسخون في العلم الذين هم أهلُ بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين
لذا قلت فيما قلت في بعض القصائد الحسينية أذكر بيتين ضمن قصيدة طويلة أقول فيهما:
فهو الشفيع لمن يزوره عارفا مَن لم يوالِ من الشفاعة يُحرمُ
يهدي الأنامَ إلى السلامة مثلما القرآن يهدي للتي هي أقـومُ
إذن مثلما القرآن الكريم مفعم بأسرار وبمعجزات لا يشاركه أي كتاب منزل فالإمام الحسين عليه السلام مثلما هو نبع نقي صافٍ ينضح بالمفاهيم والقيم والمبادئ فإن نفسه الزكية مستقر للإسرار والمعجزات ولعل هذا الأمر هو من المشتركات أو من مصاديق أوجه الشبه الكبيرة والمتعددة بينه صلوات الله عليه وبين جده العظيم محمد صلى الله عليه وآله ولعل هذا الإرتباط والتشابه الشديدين جعله يجاهد غاية الجهاد في قتاله على التأويل مثلما قاتل جده وأبوه صلوات الله عليهما وآلهما على التنزيل والتأويل أيضا.
والأمر الأهم في ذلك إنه صلوات الله عليه إمام معصوم مفترض الطاعة يأتمر ويأمر بأمر الله وينتهى عند نهيه وينهي سواه قوله الحق والصدق والحزم والعزم والحتم
هذه المقدمة دليل ناهض يعضد الرأي القائل بأن القضية الحسينية العظيمة مهما تعاقبت الأزمان والأجيال فإنها تتجدد سواء في بيان مفاهيمها أو في فهم الأجيال لمجرياتها وتصور معالمها ومضامينها.
تجليات الفكر العاشورائي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد تجلى الهدف الإنساني في النهضة الحسينية المباركة قبل كل شيء ومن ثم الهدف العقائدي والذي هو وثيق الصلة بالهدف الإنساني أيضا.
فقد كانت نية الإمام الحسين عليه السلام إحياء وإعادة الرسالة المحمدية وبث الروح فيها من جديد بعد أن كاد يزيد وأعوانه أن يميتوا وحيها ويمحو أثرها ويُعِفو رسمها.
وإحياء الرسالة يعني إحياء الشريعة والعدل والكرامة الإنسانية وإحياء القيم والمبادئ وقمع السلطة الجائرة والقضاء على هيمنة الجاه وقوة السلطان والملك وسلطة المال وحاكميته والسعي إلى إحياء الأمل المنشود لإعلاء كلمة الحق التي هي كلمة الله جل وعلا
من هنا تعولمت القضية الحسينية فأخذت بعدا عالميا شاملا لا يستثني رقعة جغرافية من ارض المعمورة فلم تعد ملكا لفئة أو طائفة أو طبقة دون ما سواها
إلى ذلك فإن جعل هذه النهضة شاملة عامة. بتضحيات كبيرة وتقديم قرابين عزيزة. ولا أعظم وأكبر وأجل قربان من دم سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته ونفسه بمصداق قوله صلى الله عليه وآله: (حسين مني وأنا من حسين).
من هنا أصبحت نهضة الإمام الحسين عليه السلام شاخصا وهو عليه السلام قدوة يقتدي به كل الساعين لإقامة حكم العدل والحق ودعاة الحرية واحترام الإنسان لإنسانيته
لقد أصدرت واقعة الطف شهادة ميلاد سيد الشهداء الحسين صلوات الله عليه وكل من استشهد معه من أنصاره الذي وصفهم خير وصف حين قال عليه السلام: إني لا أعلم أصحابا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي.
وقد جعل من كل منهم مثلا أعلى لتجليات القيم والمبادئ وكل منهم منارا يقتدي به كل العالم إبتداء من اكبر شيخ حتى أصغر رضيع وهو عبد الله الرضيع الذي كان آخر سهم في كنانته فرمى به الإعداء فجعله أكبر بطل صنديد أوجد النزاع في صفوف القوم حتى قطعه حرملة اللعين وهذه الصورة جعلت المفكر المسيحي بولس سلامة يقول: (أيها الناس: إن الشهادة تزيد فی أعمار المستشهدين ألا ترون كيف أن (عبد الله الرضيع) يعتبر اليوم من كبار عظماء الرجال ؟ وأما عن الحسين عليه السلام فيقول: تمزقت رايته ولم تنكس وتمزقت أشلائه ولم يركع وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه.. ولم يهن إنها عزة الإيمان فی أعظم تجلياتها.قبل عاشوراء، كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة أما بعد عاشوراء فقد أصبحت عنواناً لحضارة شاملة).
نعم.....
حين كادت تموت الأمة نهض سيد الشهداء وأطلق صرخته المدوية وهذه الصرخة هزت الأمة بل صعقتها كما هو معلوم فانتبهت الأمة وراحت تنقلب انقلابا تاما على الواقع الفاسد
هذه الصورة أو هذه المنهجية لعلها تعلمنا كيف يمكننا أن نتعلم الإنقلاب على كل واقع فاسد اجتماعيا كان أم سياسيا أم حتى شخصيا فإن الشياطين التي توسوس في النفوس متعددة الأشكال والأنواع والاتجاهات فحين تنطوي نفوسنا على الهوى فلنجاهد لطرد الهوى وتنقية النفس منه إذ أن الهوى نقطة بداية استعباد النفس وحصرها بعبودية من مختلف العبوديات التي تأتي سواء عن طريق امتلاك الجاه أو المال أو الملذات والشهوات أو التقرب من حاكم جائر ظالم والإبتعاد عن منهج أهل البيت عليهم السلام.
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل
- "عاشوراء" منهج واستراتيجية الهية للانسانية لابد من استثمارها .
- لاتخجلو من عاشوراء...