موفق محادين
صفقة القرن ليست قَدَراً بل إن هزيمتها تلوح في الأفق قياساً بمحطات سابقة، من محطات الصراع على المنطقة ومستقبلها، وأخذت أشكالاً وطبعات مختلفة مما يعرف بالشرق الأوسط الكبير.
صفقة القرن، ليست مسوّدة اتفاقية أو معاهدة محدّدة يُراد فرضها على طرف بعينه، بل استراتيجية عمل واسم آخر وطبعة جديدة من (الشرق الأوسط الكبير) كما رسمته أقلام الإستخبارات في الدوائر الأميركية والصهيونية، وتتمثل خطورة هذه الصفقة على المنطقة العربية عموماً، وعلى القضية الفلسطينية والأردن خصوصاً في ثلاثة أبعاد، آيديولوجي، وسياسي وبنيوي:-
1- البُعد الآيديولوجي، كما تمثله الاستراتيجية الصهيونية وبإجماع كل تياراتها ومدارسها وأحزابها، ما يوصَف منها بالصقور، وما يوصَف منها بالحمائم، فهذه الاستراتيجية تتعامل مع المنطقة العربية، الواقعة بين الساحل الفلسطيني من الساحل السوري العام، وبين صحراء الأنبار العراقية، (فلسطين المحتلة بما فيها الضفة الغربية، والأردن) كمجال حيوي مباشر، وتجسير مع الإقليم كله وخاصة بمناطق النفط والغاز، وكمحيط تابع، سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
ومقابل الإحتكار الصهيوني لمفهوم الأرض والشعب المزعوم، فإن مفهوم الجغرافيا والسكان محال إلى العرب أردنيين وفلسطينيين، أي كجماعات بلا سيادة أقرب إلى المفهوم الأنثروبولوجي الإستعماري (السكان الأصليون كقبائل بدائية يمكنها إدارة نفسها بأشكال لا ترقى إلى مستوى السيادة).
2- البُعد السياسي، ويتعلّق بتصفية ما يُعرَف بقضايا الحل النهائي بعد مرحلتها السابقة في معاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو، وذلك:-
أولاً بتهويد القدس، وتحويلها إلى (مملكة أورشليم الجديدة) على غرار ما عرفته هذه المدينة خلال (الحملات الصليبية) (مملكة القدس اللاتينية) وإحاطتها بممالك وإمارات طائفية مُتحارِبة ومُتحالِفة أو متواطِئة مع مملكة الغُزاة.
ثانياً، تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في مناطق اللجوء (الشتات في الثقافة اليهودية)، ومنها الأردن وكذلك تصفية كل المؤسّسات ذات الصلة مثل وكالة الغوث (الأونوروا).
أيضاً، وبخلاف ما تشيّعه بعض الأوساط حول التعويضات، فالتعويضات المقصودة كما تشير صحافة العدو، تعويضات لليهود العرب الذين هاجروا إلى فلسطين طوعاً أو قسراً، وليس للفلسطينيين.
ثالثاً، إلحاق ملف الغور الشمالي بملف الجولان السوري المحتل الذي أعلن العدو تهويده.
رابعاً، إغلاق ملف المناطق الرمادية في الخرائط السابقة (أ،ب،ج) بترتيبات أمنية تنطلق جميعها من أن (الضفة الغربية) أو شرق فلسطين ليست مجالاً نهائياً لدولة فلسطينية بل لصفقة كونفدرالية أبعد ما تكون عن بعض التصوّرات الشائِعة، حيث تستهدف التصوّرات الصهيونية خفض الشكل السياسي للدولة الأردنية إلى مستوى سلطة الحُكم الذاتي عملياً، وليس إلى تطوّر السلطة الفلسطينية إلى مستوى الدولة.
فنكون إزاء كونفدرالية سلطات ذاتية مُفكّكة تشكّل محيط المجال الحيوي للمركز الصهيوني في تل أبيب، ويكون التوطين المقصود للاجئين توطيناً سكانياً وليس توطيناً سياسياً..
بالمقابل، فإن الشكل السياسي المحدود المُتاح أمام الفلسطينيين في صفقة القرن، هو شكل ما في قطاع غزّة يتضمّن إقامة مطار وميناء تحت سيطرة إقليمية مُتّفق عليها.
ولا يزال هذا الخيار موضعاً للسِجال والصراع بين القاهرة وبين تركيا التي حاولت في ما مضى بتمويل قطري تحويل غزّة إلى (إمارة إسلامية) تابعة لها.
3- البُعد البنيوي، وهو البُعد المتعلّق بالتحضيرات الموضوعية للصفقة، وبدا أن كتاب شمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) الذي صدر قبل عقدين تقريباً، هو المرجعية الأساسية لهذه التحضيرات..
ومن ذلك، ما جرى ويجري من تفكيك للدول المُستهدفة ومنها الأردن باسم إعادة هيكلة الإقتصاد (تصفية القطاع العام) وبقية المؤسّسات الحكومية، وتحويلها إلى جغرافيا مُتناثرة من المناطق الحرّة، (الصناعية المؤهّلة) والمشاريع الإقليمية المُرتبطة بالمركز الصهيوني، مثل السكك، وناقل البحرين والمطارات والطرق الكبرى.
وبالإضافة إلى دور البنك وصندوق النقد الدوليين وحكوماتهما في ترجمة كل ما سبق، لا بدّ من الإشارة إلى الصناديق الإقليمية التي اقترجها شمعون بيريز، بتمويلٍ نفطي وأوروبي وأميركي، ووصفها بأنها الطبعة الجديدة من (الصندوق اليهودي) الذي موّل التحضيرات التي سبقت إعلان دولة العدو الصهيوني..
أخيراً، فإن صفقة القرن ليست قَدَراً بل إن هزيمتها تلوح في الأفق قياساً بمحطات سابقة، من محطات الصراع على المنطقة ومستقبلها، وأخذت أشكالاً وطبعات مختلفة مما يعرف بالشرق الأوسط الكبير.
وإذا كانت حرب تموز 2006، وانكسار الموجة الأولى من موجات هذا المشروع على يد المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، ومثلها صمود أهل غزّة في محطات مجيدة أخرى، فثمة محطة أخرى ذات دلالة مباشرة هي المحطة التي ارتبطت بما عُرِف بطريقي إبراهيم وموسى (الإسم الآخر لإسرائيل الكبرى).
الأول، كمنطقة مُستهدفة شملت العراق وسوريا، والثاني كمنطقة استهدفت سيناء – البحر الأحمر، فصعوداً إلى وادي الأردن ويتضمّن مشروع نيوم، كما يعكس جانباً من الصراع على موانىء البحر الأحمر ومنها الموانىء اليمنية.
وكما يُلاحظ مما سبق، فإن التوسّع وتوسيع المعركة على الشرق الأوسط، يوسّع أيضاً قوس المقاومة جنوباً.
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- العراق.. أزمة تلد أخرى
- كبوة أخرى في إدارة المال العراقي