عباس الصباغ
الحالة المطرية التي داهمت العراق في الآونة الاخيرة هي حالة موسمية معتادة تتفاوت معدلاتها بين سنة واخرى فقد كانت في العام الماضي اقل من معدلاتها السنوية العامة بينما هذه السنة كانت اكثر منها بكثير، وهي معدلات طبيعية في كل الاحوال ولاتخصّ العراق وحده الذي تتشكل خرائطه الطقسية في اقليم اعتاد على هذا المنوال.
ولكن! وان كانت الحالة المطرية هذه السنة اعلى من معدلاتها السنوية الى درجة حدوث فيضانات وسيول اتت اكثرها من دول الجوار التي تنحدر منها المياه كالجارة ايران، او المناطق المتاخمة للسدود ومااحدثته تلك الحالة من إضرار في البنى التحتية وعلى الواقع الزراعي للبلد ومااوقعته من خسائر فادحة فيه مما سببت الكثير من المعاناة للمواطنين الذين يعانون اساسا من تردي الواقع الخدمي لمناطقهم او من سوء الحالة المعيشية لأكثرهم ففاقمت الحالة المطرية من معاناتهم بسبب تداعي اغلب البنى التحتية لمناطقهم وغرق الكثير منها، ومع كل ماتقدّم فان هذه الحالة والسيول التي رافقتها لم تصل الى مستوى الكارثة الوطنية ـ لاسمح الله ـ كالتي تحدث في بعض البلدان التي تحدث فيها فيضانات كبلدان جنوب شرق اسيا وغيرها من التي تشهد امطارا موسمية تكون في بعض الاحيان اعلى بكثير من معدلاتها السنوية فتحدث فيضانات مدمرة، ومن كان يتابع بعض وسائل الاعلام لاسيما بعض الفضائيات المغرضة وبعض وسائل السوشل ميديا يستشعر ان العراق مقبل على تسونامي هائل جراء وصول مياه السيول الى الكثير من المناطق ويسبب انهيارا محتملا لبعض السدود كسد الموصل او دوكان وغيرها وكانت بعض المواقع الخبرية ووسائل التواصل الاجتماعي تساهم ببث الرعب بين اوساط المواطنين خاصة الذين يتاخمون اكتاف الانهار لاسيما نهر دجلة او قرب السدود المتخمة بالمياه، وبعواجل اخبار تكون اغلبها تهويلا او نقلا غير دقيق عن المتنبئين الجويين، وكانت تُطرح بصيغة "الاكشن" الخبري للحصول على مشاهدات اكثر للموقع وعادة مايكون عنوان الخبر مثيرا للانتباه والقلق ايضا، وان كان فحوى التنبؤ الجوي يشي عن تحذير لمخاطر قد تحصل ولكن ليس تاكيدا او اثباتا لها خاصة وان موسم الامطار لايزال مستمرا ابان نشر هكذا اخبار ولاسيما وان فترة الربيع تختلف عن الشتاء والخريف من ناحية تقلبات الطقس فيها مما يعطي ايحاء سايكلوجيا لا اراديا للمواطن المغلوب على امره بان خطر الفيضان قادم لاشك فيه وان السيول الجارفة ستبتلع الكثير من المدن والقرى والاراضي الزراعية وتكتسح في طريقها كل شيء وكانت اغلب تلك الاخبار والمنشورات تعطي اشارات ـ دون دليل فني جازم ـ حول عدم صلاحية بعض السدود لاستيعاب الموجات المطرية الهائلة إما لقدمِها او لضعف استيعابها كون الحالة المطرية اوسع منها .
ان الاثار النفسية المحبِطة والمثبّطة التي تركها الاعلام التهويلي ووسائل السوشل ميديا المنفلتة كانت اشد وطأة من الاخبار التي تتناقلها بعض وكالات الانباء والفضائيات حول العمليات الارهابية وماتتركه من اثار تدميرية واشد وطأة من الاثار التي تحدثها الموجات المطرية نفسها، وهي موجات اعتاد عليها سكان ارض الرافدين منذ القدم وبعض تلك المواقع راحت تسيّس هذه الحالة ضد بعض دول الجوار باعتبار ان السيول التي تأتي منها هي مسالة كيدية مقصودة لإحداث الضرر بالعراق بينما هي حالة طبيعية وموسمية لاعلاقة لها بالسياسة بتاتا.
اقول: صحيح ان الحالة المطرية وصلت الى حدود غير مسبوقة فقد كان واجبا على الجهات المختصة كوزارة الموارد المائية ان توضح حقيقة الامر للشارع العراقي وسط انتشار وسائل الميديا المغرضة واللامهنية والتي تحمل اجندات خاصة بها، تضاف اليها وسائل السوشل ميديا غير المنضبطة فقد اعطت الضوء الاخضر لنمو الشائعات المهولة وغير المبررة، واغلب تلك المواقع والوسائل مازالت تعمل في مناخ الفوضى الاعلامية الخلاقة مع غياب قانون لتجريم الخروقات المعلوماتية، وكان يجب على تلك الجهات التخفيف من وطأة الامر وتوضيحه بالقدر الممكن لكي لا تحدث حالة من الفزع بين المواطنين وتؤثر على سايكلوجيتهم المكتظة بالمعاناة المعيشية اساسا.
الصورة التي نقلتها تلك الوسائل عن السيول لم تختلف عن الصورة التي نقلها الاعلام المغرض عن العراق إبان تغوّل الارهاب فكلاهما وجهان لعملة واحدة .
أقرأ ايضاً
- فلسطين قضية لا تباع ولا تخضع للارهاب
- صندوق النقد الدولي مؤسسة علمانية تمارس الارهاب الاقتصادي
- ضحايا الارهاب والانصاف المطلوب