عباس الصباغ
لم يأتِ من فراغ الاضراب الذي قامت به الهيئات التعليمية احتجاجا على تردي الواقع التربوي وانحدار مناسيب النجاح التي سبق وان اشّرتها اليونسكو بتصنيف العراق من اكثر الدول تفوقا في قطاع التربية والتعليم ـ الذي أنشئ مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ـ على مستوى العالم الثالث، الاّ ان واقع هذا القطاع بدأ بالتدهور منذ اواسط ثمانينيات القرن المنصرم بسبب سياسات النظام السابق الخاطئة، ومنذ حرب الخليج الثانية بدا الانحدار الحاد في مستوياته فكان الانحدار مريعا ككرة الثلج وللآن.
إن العملية التربوية لاتتحدد مقارباتها زمكنانيا بالدرس الذي يستقي منه الطالب المعلومات التي تؤهله لعبور مراحل دراسية اخرى، فإن تلخصت هذه العملية بالدرس فأنها ستكون مجرد تلقين ببغائي وإلاّ فان لها محددات اخرى تتعلق بعناصر المعادلة التربوية التي تبدأ بالطالب وتنتهي بالدولة مرورا بالأسرة والمجتمع ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني، فهذه العناصر تؤلف المعادلة التربوية لأي مجتمع ينشد النجاح والتفوق ولا يبلغ ذلك الاّ بإصلاح هذه العناصر، ولهذا فان انقاذ التعليم امامه اشواط طويلة وهي عملية تضامنية بين عناصر هذه المعادلة فالكرة ليست في ملعب واحد بل هي في ملعب الجميع الذين عليهم ان يتحركوا قبل فوات الاوان، ان حكومات مابعد التغيير النيساني قد ورثت تركة كبيرة تمثلت بالانحدار الشمولي في جميع مناحي الحياة ومنها هذا القطاع الذي شهد تقهقرا اضافيا بسبب الفوضى الخلاّقة التي رافقت هذا التغيير وبسبب تداعيات الظروف الامنية والاقتصادية والمجتمعية التي نتجت عنه، يضاف اليها ضعف ادارة وزارة التربية بسبب المحاصصة التوافقية المقيتة والتي اثبتت فشلها الذريع في ذلك ومن علائم هذا الفشل تسييس المناهج التربوية او تطفييفها، وتسرّب التلاميذ من المدارس، ناهيك عن الفساد المستشري فيها والذي حال دون اكمال بناء النقص الذريع في الابنية المدرسية فمازال اغلب الطلاب يداومون في مدارس تنقصها الكثير من الخدمات واغلبها ـ إن وُجدت ـ هي ذات دوام مزدوج ما يعني اكتظاظا فوضويا للطلاب ونقصا في عدد المحاضرات ووقتها والكثير من الطلاب يداومون في مدارس مشيدة من الطين او في كرفانات متهالكة، يضاف الى ماتقدّم التقصير الحكومي شبه السنوي بخصوص توزيع الكتب المنهجية والقرطاسية والتأخر في طباعتها والاخطاء التي توجد بها، ومن الانصاف ان نقول ان بعض الممارسات الخاطئة التي تصدر من البعض من خلال التعدي والتجاوز على الحرم المدرسي متذرعين بمنطق القوة والعشائرية والتي تتناقلها باستمرار وسائل التواصل الاجتماعي ايضا ساهمت باضطراد هذا التراجع.
واهم سبب في تردي هذا القطاع الحيوي هو ضعف الاهتمام الحكومي به من خلال ضآلة التخصيصات المالية المرصودة له في كل موازنة سنوية قياسا الى بقية القطاعات وخلّوه من فقرة الاستثمار، ورغم الاهمية الاستراتيجية لقطاع التعليم الاّ انها تبقى تنظيرية فقط في اغلب البرامج الحكومية اذ يبقى هذا القطاع على حاله دون تغيير حقيقي ملموس.
ولإنعاش الواقع التربوي الذي يعاني من موت سريري محدق:
1. يجب على المتصدين للقرار ان يُخرجوا العملية السياسية من مطبّ المحاصصة وتنقية التربية من شوائبها وتولية التكنوقراط الكفء لادارتها 2. ابعاد البرامج الحكومية عن الصيغ الانشائية والتنظيرية والخاصة بمجال التربية والتعليم والباسها الصيغ العملية والاجرائية الواقعية وعدم المرور معه مرور الكرام 3. ان لاتقف السلطة التشريعية موقف المتفرج امام انهيار هذا القطاع وكأن الامر لايعنيها فهي لم تشرّع اي قانون يضمن حماية المعلم او الطالب على حد سواء او تضع حدا للخروقات التي يتعرض لها الحرم المدرسي من قبل البعض، 4. وعلى مهندسي الموازنات المالية العامة ان يدركوا بان وزارة التعليم هي ليس وزارة ثانوية ويجب تخصيص اموال كافية لها حالها حال الوزارات السيادية، لانجاز المشاريع التربوية كالمدارس وغيرها، 5. وعلى وسائل الاعلام التوعية بضرورة احترام الهيئات التربوية وعدم التجاوز عليها و وبالقابل عدم استخدام القوة المفرطة ضد الطالب لاي سبب كان.
هذه خطوط عريضة لانعاش الواقع التربوي في العراق لأن التدهور المستمر في قطاع التربية والتعليم، يعني استحالة بناء الدولة المتطورة التي تحكمها المؤسسات والقانون وان بناء الدولة المدنية، يستدعي السعي لإنشاء قواعد تعليمية متطورة تخلو بصورة قاطعة من الظواهر المعيقة للتعليم العصري.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي