- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سياسة الديسكاونت: النفط هذه المرة !
بقلم: مازن الزيدي
لا يفرق الكثير من الساسة بين تشبيك المصالح بين العراق وبين دول الجوار بهدف توطيد العلاقات الثنائية وبناء شراكات راسخة على كافة المستويات، وبين سياسة التخفيضات او الديسكاونت التي انتهجها رئيس الوزراء السابق.
فالأول يعني استثمار الموارد والطاقات المتاحة وتبادلها مع اطراف مقابل تحقيق مكاسب سياسية او اقتصادية او حتى معنوية. وهذا نهج دبلوماسي تتبعه الدول فيما بينها لتعزيز التعاون وايجاد فرصة جديدة لربط المصالح البينيّة.
اما المعنى الثاني فيعتبر تنازلاً وتفريطاً بهذه المصالح والفرص لصالح طرف دون الثاني. وعادة ما تلجأ الدول لهذا الخيار تحت وطأة الضعف او الهزيمة في الحروب.
مارس نظام البعث هذين النوعين من السياسة طيلة اربعة عقود من حكمه.
فقد استخدم النفط للخروج من الحصار الدولي المفروض عليه لشراء مواقف دول ومنظمات وشخصيات سياسية واعلامية وفنية.
وتم كشف النقاب عن ذلك بعد عام 2003، فيما عرف بفضيحة كوبونات النفط، التي كان على قائمتها الامين العام الاسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، وساسة من اوربا والشرق الاوسط.
في هذا الاطار كان النظام العراقي يمنح الاردن النفط بأسعار رمزية جدا لإبقائه رئة اقتصادية تكسر طوق الحصار.
وقد نجح في ذلك الى ابعد الحدود، واستمر ذلك حتى بعد الاطاحة بصدام، اذ تحولت عمان ومصارفها الى احد مراكز تشغيل ثروة اركان النظام السابق والحاضنة التي امّنت لهم ملاذا وحصانة عن الملاحقة القضائية.
الامر ذاته مارسه نظام صدام مع النظام القطري بعد انقلاب حمد على والده منتصف التسعينات.
اذ تكفل العراق بدفع رواتب النظام الجديد ريثما انتهت ازمته مع التحشيدات السعودية والإماراتية التي كادت تطيح بالابن لصالح والده.
والكل رأى كيف وقفت قطر وذراعها الاعلام متمثلا بالجزيرة مع نظام صدام الى اخر لحظة، واستمر ذلك حتى فترات قريبة جدا.
واصل النظام العراقي الحالي سياسة النفط المدعوم مع الاردن لكنه فشل بشكل واضح في التأثير على سياسة التمييز التي مورست بحق العراقيين منذ ٢٠٠٣ وحتى يومنا.
ورغم الاعتراف بتغير الموقف الاردني في العديد من القضايا اتجاه العراق، لاسيما بعد ان تلمست المملكة الهاشمية اضرار احتضان شخصيات عراقية إرهابية، وانعكاس ذلك على امنها واقتصادها، فإن التنسيق والتعاون السياسي بين البلدين لم يصل الى حدّ منح هذه الدولة الجارة انبوب نفط يمتد من البصرة الى العقبة وبطاقة تصل الى ٢.٢ مليون برميل يومياً عند اتمام مراحله النهائية.
وستكون حصة الاردن منه ٨٥٠ الف برميل و ١٠٠ مليون متر مكعب من الغاز يوميا عبر انبوب موازي.
السؤال المطروح على الحكومة، التي تبدو متحمسة للمضي بالمشروع لاسيما مع زيارة العاهل الاردني الاخيرة، ما الجدوى من نقل نفط البصرة الى البحر الاحمر في ظل امتلاك العراق خطاً ستراتيجياً عبر السعودية الى ميناء ينبع تم تشغيله نهاية الثمانينات ووضعت السعودية اليد عليه بعد احتلال الكويت؟
لماذا تخاطر الحكومة بمدّ انبوب جديد يكلّف ١٨ مليار دولار يدفعها العراق من نفط البصرة، في الوقت الذي نملك انبوبا عملاقاً بطاقة ١.٦ مليون برميل يومياً انشئ بأموال عراقية لتأمين استمرار امدادات النفط بعيدا عن الخليج اثناء الحرب مع ايران.
ويزداد الاستغراب لجهة عدم اكتراث حكومة العبادي باستعادة هذا الخط الاستراتيجي رغم انفتاح حكومته الواسع مع السعودية وتدشينه مجلساً للتنسيق بين البلدين.
ولماذا يغض رئيس الوزراء الحالي الطرف عن هذا الملف مع انه صرح خلال توليه حقيبة النفط عام ٢٠١٥ بضرورة استعادة انبوب ينبع.من الناحية السياسية والإستراتيجية يبدو ان العمل على احياء انبوب كركوك - بانياس لتصدير نفطنا عبر المتوسط، اجدى نفعاً من التوجه نحو البحر الاحمر او ابقاء نفط كركوك رهن العلاقات المتذبذبة مع اربيل وانقرة، لاسيما مع وجود اتفاق بين العراق وسوريا منذ عام ٢٠٠٧.
وبذلك تكون بغداد ضربت عصفورين بحجر واحدة، اهمها الضغط على تركيا في ملف المياه مثلا.
في ضوء المعطيات الراهنة، يخشى الكثير من المتابعين ان تخضع حكومة عبدالمهدي، بضغوط خارجية او بحسابات غير منطقية، لسياسة الدسكاونت التي انتهجتها الحكومة السابقة ومنحت بموجبها نفط البصرة الى نظام السيسي من دون مقابل، وعادت لاحقا لتلغي الاتفاق.
لسنا مع مقاطعة دول الجوار لاسيما الاردن ولا حتى بالضد من مساعدتها في ازماتها الاقتصادية، لكننا بالتأكيد مع تشبيك المصالح بشكل شفاف وواضح مع الجميع من دون تبديد الثروات والتغاضي عن اولوية تنمية موانئ البصرة وتعزيز منصاتنا الجنوبية والتركيز على استثمار الغاز والصناعات التحويلية في المحافظات النفطية التي ما زالت تعاني الحرمان والتهميش من ابناء جلدتها وممثليها في الحكومة والبرلمان.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!